يعود تاريخ إعمار الإنسان لساحل نواكشوط إلى ستة آلاف سنة قبل التاريخ، وقد استنتج الأثريون من تنوع وكثافة أشكال وأحجام الأصداف والمحار المتراكم بمحاذاة شاطئ نواكشوط، أن الإنسان ربما كان يكتفي في تحصيل قوته خلال تلك المرحلة المتقدمة من التاريخ على استهلاك ما بداخل الأصداف والمحار من منتجات بحرية! وذلك –طبعا- قبل يكتسب مهارات صيد الأسماك، ونظرا لأهمية الشواهد الأثرية التي تم اكتشافها بموقع نواكشوط منح الأثريون تسمية نواكشوطي « nouakchottien »لطبقة أثرية محاذية للسواحل الأطلسية تنتمي للعصر الرابع، تتسم بمستوى من التجانس على امتداد أجزاء من الساحل الموريتاني والسنغالي وتمتاز بوفرة وتنوع الأصداف والمحار ضمنها.
ومما يسترعي الانتباه في هذا السياق اقترالانتباه اقصر النواة الأصلبة يانبوفرة الماء بالموقع. إن أصل تسمية نواكشوط بالماء والأصداف البحرية، فحسب ما ذكره المرحوم المختار ولد حامدن أن تسمية نواكشوط مشتقة من كلمة صنهاجية مركبة من "نوا" وتعني ذات و" اكشظ " وتعني المحار، وتقدير "نواكشظ": البئر ذات المحار، ولعل "احسيْ المحار" التي كانت تقع وسط حي القصر العتيق هي أحد آبار نواكشوط التي استوحي اسمها أيضا من كثافة المحار.
ولعل الآبار تمثل أبرز وصل إلينا من آثار إعمار الإنسان لمنطقة نواكشوط، التي كانت تعرف قبل عمرانها ب "كَود الحسيان"، ومعلوم أن البئر ظلت على مر العصور نواة الحاضرة البدائية؛ فحفر بئر بالصحراء يمثل إحدى الطرق التقليدية لدى قبائل البدو لحيازة الأرض وإعمارها، ويمكن أن يشكل البئر نواة للاجتماع البشري، عندما ترتاده جموع من الرحل والمسافرين نقطة الماء، وعندما يكون موقع البئر على طريق القوافل فإنها قد تتحول مع مرور الوقت إلى محطة هامة، ويبدو أن اختيار الإدارة الاستعمارية لإقامة مركز عسكري بموقع نواكشوط قد راعى جملة من الشروط لعل أهمها وفرة الماء بالموقع وقربه من البحر، فضلا عن وجوده على الطريق الإمبريالي الرابط بين كولمب بشار ودكار.
وترتبط بداية إعمار نواكشوط حديثا باتخاذ الإدارة الاستعمارية سنة 1903 قرارا بتمركز كتيبة فرنسية بالموقع، وقد حرص كزافيه كابولاني أن يكون موقع المركز العسكري بنواكشوط على قمة كثيب على بعد 800 متر شمال غربي منطقة آبار نواكشوط القديمة، ثم تم الشروع نفس العام في تشييد قلعة به، حملت اسم النقيب لويس فرير جان الذي عينه كابولاني قائدا للمركز، ويبدو أن موقع نواكشوط لم يكن به خلال تلك الفترة سكان مستقرون باستثناء ضباط فرنسيين ومجندون سنغاليون.
وييدو أن استقرار السكان المحليين بالموقع لم يبدأ إلا بعد انتصاف خمسينيات القرن المنقضي وبصورة محتشمة وعفوية، بظهور حي لقصر التقليدي أقدم الأحياء السكنية بنواكشوط، الذي شيدت به أولى المعالم المكونة لنواة قصر نواكشوط مثل المساكن المبنية بالطين وأول مسجد وهو مسجد بداه ولد البصيري وبعض المحلات التجارية مما ينم عن إرادة فعلية في الاستقرار.
ورغم أن مدينة نواكشوط تصنف تاريخيا ضمن المدن التي تأسست خلال الحقبة الاستعمارية على شاكلة كيفه ونواذيبو ولعيون... إلا أن التصاق تسمية القصر بأقدم أحيائها يبرز مدى عمق تأثير رواسب التراث العمراني العتيق لقصور ولاته وودان وتيشيت وشنقيط باعتباره الرصيد العمراني الأبرز في تاريخ البلد، مما استدعى إسهامه في رسم بعض من ملامح الحياة الحضرية لعاصمة الدولة الوطنية إبان تشكلها.
والواقع أن فكرة اتخاذ نواكشوط عاصمة ارتبطت بمقتضيات استيفاء مقومات الاستقلال الداخلي للدولة الموريتانية، من بين مقومات عدة كان أوجود عاصمة للدولة الوليدة مسألة ملحة، وإثر طرح عدة خيارات بخصوص العاصمة المحتملة وقع اختيار نواكشوط سنة 1958 لتكون عاصمة الدولة الوطنية، ثم تم بعد ذلك الشروع نفس السنة في تشييد حي "العاصمة"« Capitale » على النمط العصري، على بعد مسافة من حي لقصر التقليدي، لاتخاذه مركزا لعاصمة الدولة الوطنية وليأوي إدارات ومصالح عمومية مثل القصر الرئاسي وإدارات الدولة وثكنات الجيش ومفوضيات الشرطة والسفارات الأجنبية والبنوك والمؤسسات التعليمية ودار الثقافة والشباب والملعب الرياضي ومساكن موظفي الدولة.
- المعالم الأولى
سنحاول بعد هذه اللمحة التاريخية تتبع أثر أبرز المعالم العمرانية الأولى وأماكن الذاكرة بمدينة نواكشوط، لإبرازها وتثمينها من باب تفعيلا الذاكرة من أجل الحفاظ على ما بقي من معالم ذاكرتنا التاريخية والوطنية.
آبار نواكشوط القديمة
تعد هذه الآبار أهم المنشآت المائية التي كنت توفر الماء الشروب للعابرين والرحل المسافرين من موقع المدينة قبل جلب الماء لنواكشوط من بحيرة إديني، وأهم تلك ما ساقه سيد أحمد ولد أحمد سالم مثل گود الحسيان الذي كانت به أكثر من بئر حسب ما يتضح من التسمية، إضافة إلى الإحساء والعقل اعگيلت أم ركبة واعگيلت أهل الحاج واحسيْ المحار.
قلعة نواكشوط
تمثل هذه القلعة أقدم معالم نواكشوط الأثرية يرجع تأسيسها لسنة 1903، وهي مشيدة بالطين وتوضح لنا صورا التقطت للنقيب لويس فريرجان بداية القرن العشرين شكل هذه القلعة التي تحولت إلى خراب واندرست معالمها ولم يعد أحد يعرف موقعها بالتحديد، حتى سنة 2009 حيث تم اكتشاف ركامها بالصدفة قرب خزان المياه الكبير في لكصر أثناء الحفر لوضع الأنابيب الموصلة لشبكة مياه مشروع آفطوط الساحلي.
مركز بيلا العسكري
هذا المركز هو شيد على أنقاضه سجن بيلا ومثل أول ثكنة عسكرية أنشأها الفرنسيون سنة 1924. وعلى امتداداته الغربية والجنوبية تأسست قيادتا أركان الجيش الوطني والدرك الوطني.
حي لكصر العتيق
يعد هذا الحي النواة الأصلية لنواكشوط ويقع غرب مدخل مطار نواكشوط الحالي، اتسم في بداياته الأولى بالعفوية وغياب التخطيط، وتمثل تقاليده العمرانية امتدادا لنمط الاستقرار التقليدية المعهودة بالقصور الموريتانية، كان يتألف ومسجد من عدة مساكن ومتاجر مشيدة بالطين، غير أن نسيجه العمراني عرف تحولا جذريا غداة الاستقلال بفعل تسارع وتيرة العمران مما جعله يفقد هويته كليا؛ إذ سرعان ما شيد فيه أول مركز للبريد وأول مطار وأول مطعم وأول ملعب رياضي إضافة إلى خزانات أرضية لصرف مياه فصل الأمطار ويمكن مشاهدتها اليوم شمالي مستشفى الأمومة والطفولة.
مدرج الطيران بالكصر
هذا المدرج بناه العسكريون الفرنسيون ولم نقف على تاريخ تشييده، وكانت تحط به الطائرات الفرنسية وقد اشتهر هذا المعلم من خلال كتابات الأديب الطيار الفرنسي أنطوان سانت اكزيبيري وذلك قبل أن يشيد أول مدرج لمطار نواكشوط سنة 1958.
أول نزل وفندق
ذكر أنطوان سانت اكزيبيري أنه كان يوجد بمدرج الطيران بلكصر شبه نزل مشيد بالطين يتكون من قاعة إفطار وغرفة واحدة لأخذ قسط من الراحة أثناء توقفه في إحدى رحلاته بين تولوز ودكار. كان ذلك قبل بناء فندق مرحبا سنة 1962-1963.
نواة حي العاصمة
- من أماكن الذاكرة
موضع الحجر الأساسي لمدينة نواكشوط والذي يقع داخل القصر الرئاسي اليوم.
موضع المنصة التي أعلن عليها الاستقلال الوطني تقع اليوم في الجزء الغربي من المجموعة الحضرية قبالة الجمعية الوطنية.
أول مقر لإذاعة موريتانيا دار صغيرة تقع جنوب غربي دار الثقافة الحالية احتضنت الإذاعة بعد انتقالها من سانت لويس إلى نواكشوط قبل بناء مقر الإذاعة الحالي.
مستوصف موزي يعد أول منشأة صحية بالعاصمة قبل بناء المستشفى الوطني سنة 1963.
مرفأ نواكشوط أول ميناء فك العزلة التجارية عن العاصمة قبل بناء ميناء الصداقة.
سفارة فرنسا هي أول سفارة تم تشيدها بالعاصمة.
نادي راسينغ كلوب هو أول النوادي الرياضية والترفيهية بالعاصمة
أول مطعم في نواكشوط كان بلكصر فتحه غوميز جيروم سنة 1958 كان يقع بمقر مفوضية لكصر سابقا.
أول "سوبر ماركت" في نواكشوط كانت بقالة غوميز جيروم في لكصر.
أول قاعة سينما في نواكشوط سينما الصحراء بلكصر لصاحبها غوميز جيروم.
المراجع المعتمدة
- المتحف الوطني بتواكشوط والمركز الثقافي الفرنسي، نواكشوط عاصمة موريتانيا خمسون عاما من التحدي، مكان النشر غير مذكور، دار سيبيا، 2006، 179 صفحة.
- ولد أحمد سالم، سيد أحمد، ورقة حول الآبار والمواضع البدوية بموقع نواكشوط، ورقة منشورة بصفحته على الفيس يوك .
- Ould Hamidoun Mokhtar et Descamps Cyr, « Que veut dire Nouakchott ? », Notes Africaines, N° 118, 1968, p.62-64.
- Pitte, Jean Robert, Nouakchott : Capitale de la Mauritanie, (Thèse de doctorat en géographie), La Sorbonne, Paris, 1977, 198 pages.
- Vernet, Robert, La préhistoire de la Mauritanie, Nouakchott, 1993, 429 pages.