تقديم
صعود الإمبراطوريات وأفولها ظاهرة طالما شغلت الفلاسفة والمؤرخين، ويأتي في مقدمتهم ابن خلدون صاحب نظرية قانون العمران، الذي بين أن الدولة تقوم على العصبية، فتنشأ قوية متماسكة، ثم تزدهر مع الاستقرار والرفاه، غير أن هذا الرفاه نفسه يؤدي إلى ارتخاء العصبية وضعفها، فتدخل الدولة طور الوهن والانحلال. وقد سار على خطاه مفكرونآخرون كماركس وفيبر.
في ركن قرأنا لكم اخترنا لكم هذه المرة كتاب "سقوط الإمبراطوريات" لتشاد دينتون المؤرخ المتخصص في تاريخ الأنظمة الإمبراطورية الأوروبية، ترجمة: هاني الحاج – المركز الأكاديمي للأبحاث، 2022.
ينقسم الكتاب إلى مقدمة وسبعة عشرا فصلاوخاتمة، يستعرض المؤلف في كل فصل إحدى الإمبراطوريات التي ازدهرت عبر التاريخ، من أثينا القديمة وحتى الاتحاد السوفيتي، ويخلص إلى أن انهيار الإمبراطوريات لا يرجع إلى عامل واحدحاسم يتكرر وفق النظريات السائرة، بل بعوامل متعددة من الغطرسة، والقمع، والانقسامات، والكوارث الطبيعية، والغزو الخارجي، والفساد.
الفصل الأول – إمبراطورية أثينا
يتناول هذا الفصل صعود أثينا من مدينة إلى قوة إمبراطورية بعد انتصارها في الحروب الفارسية، حيث قادت التحالف بهدف حماية المدن اليونانية،لكنها مع الوقت حولته إلى أداة هيمنة تخدممصالحها الخاصة، بفضل قوتها البحرية وتجارتها النشطة، وبسطت أثينا نفوذها على بحر إيجهوفرضت الإتاوات على حلفائها.
كان قرار الدخول في حملة عسكرية على جزيرة صقلية عام 415 ق.م، في إطار الحرب ضد سبارتامتهورا، وكانت الحملة مزيجا من الطموح العسكري والرغبة في التوسع الاقتصادي، لكنها افتقرت للتخطيط الواقعي، وشابتها الخلافات السياسية والغرور المفرط، لذلك انتهت بكارثة عسكرية، تمثلت في إبادة القوات الأثينية، وخسارة الأسطول البحري، واهتزاز صورتها أمام الحلفاء، وتزامن ذلك مع تمردات داخلية وتآكل للموارد، فأدت تلك العوامل مجتمعة إلى انهيار الهيمنة الأثينية أمام سبارتاوحلفائها، ثم سقوط الإمبراطورية فعليا بحلول 404 ق.م.
يخلص الكاتب إلى أن غرور القوة، وسوء تقدير التوازن بين الطموح والإمكانات، والتورط في حروب استنزافية، يمكن أن يسقط حت أكثر الكيانات السياسية ازدهارا، خاصة عندما تغيب البصيرة الاستراتيجية وتتصاعد الانقسامات الداخلية.
الفصل الثاني – الإمبراطورية الفارسية
في هذا الفصل، يتناول دينتون الحضارة الأخمينيةالفارسية، التي امتدت من الهند شرقا حتى حدود مصر غربا، وكانت إحدى أعظم الإمبراطوريات في التاريخ القديم. ويستعرض الكتاب تأسيس هذه الإمبراطورية من طرف كورش الكبير، وكيف توسعت تحت خلفائه ليصل نفوذها إلى أضخم امتداد جغرافي آنذاك.
ويركز الفصل على النهاية المدوية لهذه الإمبراطورية، عندما غزا الإسكندر المقدوني الأراضي الفارسية، وسيطر على العاصمة برسبوليس قبل أن يقوم بإحراقها، معتبرا أن هذا الحدث لم يكن مجرد هزيمةعسكرية مدوية، بل انهيارا اشتبكت عدة عوامل فيه أهمها: هشاشة البنية السياسية، ونقص التأهب أمام قوة غازية متفوقة في التخطيط والتنفيذ، والبيروقراطية المتثاقلة، والتصدع الداخلي الذي استغله الإسكندر ببراعة.
ويخلص الكاتب إلى تقديم صورة متكاملة عن تداخل عوامل القوة والضعف التي دفعت هذه الإمبراطورية لبراثن التلاشي، ويوضح كيف أن رمزية العاصمة المحترقة صارت علامة فارقة في دراسة الانهيارات التي تحدث للإمبراطورية العالمية.
الفصل الثالث – إمبراطورية تشين
ينقلك تشاد دينتون إلى الصين ويعرض في هذا الفصل صعود أول إمبراطورية موحدة بقيادة تشين شي، الذي أنهى حقبة الانقسام السياسي، وفرض نظاما مركزيا قاس على كامل الصين، رغم إنجازاته الكبيرة في التوحيد، إلا أن حكمه القاسي أدى إلى تآكل الشرعية الشعبية بسرعة؛ إذ فرض مشاريع ثقيلة مثل بناء سور الصين العظيم وسلسلة من الأعمال العقابية ضد الخصوم، فخلق استياء داخليا كبيرا.
وبعد فترة قصيرة من تأسيس النظام، بدأت الإمبراطورية تتفكك فور موت المؤسس، وسقطت بعد أقل من جيلين، حين اندلعت تمردات واسعة قادها الفلاحون والنبلاء ، لتحل مكانها دويلات جديدة، ممهدة لعهد هان.
ويخلص المؤلف إلى أن التوحيد بالقوة وحده لا يكفي، بل يجب أن تبنى شرعيته على قبول داخلي ليدوم.
الفصل الرابع – إمبراطورية قرطاجة
في هذا الفصل، يستعرض تشاد دينتون إمبراطورية قرطاجة، التي تأسست على الساحل الشمالي لأفريقيا وكانت قوة بحرية وتجارية كبرى في البحر المتوسط خلال العصور القديمة، وتميزت باقتصادها التجاري الواسع وقوتها البحرية، ما جعلها تنافس روما على الهيمنة في البحر المتوسط، ويوضح المؤلف كيف أدت الحروب البونيقية الثلاث، خاصة الحروب التي خاضها هانيبال ضد روما، إلى إضعاف قرطاجة تدريجيا، ورغم براعة هانيبال العسكرية، لم تتمكن قرطاجة من الاستفادة بشكل كاف من انتصاراتها بسبب نقص الدعم السياسي والعسكري الداخلي، بالإضافة إلى التحالفات القوية التي كونتها روما. انتهى المطاف بإبادة قرطاجة وتدمير مدينتها بالكامل على يد روما عام 146 ق.م، مما يبرهن على أن قوة الاقتصاد وحدها لا تكفي، وأن الانقسام الداخلي والضعف في الإدارة قد يؤديان إلى السقوط رغم الإنجازات العسكرية.
الفصل الخامس – إمبراطورية هان
يتناول هذا الفصل إمبراطورية هان الصينية التي استمرت لعدة قرون واعتبرت من أعظم إمبراطوريات الصين القديمة، حيث سادت في الفترة بين 206 ق. م و220 ميلادية. ويركز على التحديات الداخلية التي واجهتها الإمبراطورية، وبخاصة صعود نفوذ من أسماهم"الخصيان" في القصر الإمبراطوري، الذين استغلوا مواقعهم للسيطرة على شؤون الدولة، مما أضعف مؤسسات الحكم الرسمية، فأدى الفساد وصراعات البلاط الداخلي إلى زعزعة الاستقرار السياسي، وزيادة الفساد، وتفاقم الانقسامات داخل الطبقة الحاكمة، الأمر الذي أضعف القدرة على مواجهة التحديات الخارجية مثل غزوات القبائل البربرية والتمردات الشعبية، وينقل الفصل فكرة أن الانهيار لم يكن فقط بسبب عوامل عسكرية خارجية، بل كان للتدهور الإداري والفساد الداخلي دور محوري في سقوط هذه الإمبراطورية العريقة.
الفصل السادس – الإمبراطورية الرومانية
يركز هذا الفصل على سقوط الإمبراطورية الرومانية، التي كانت لفترة طويلة القوة العظمى في العالم القديم، ويسرد المؤلف الحادثة الشهيرة لمقتل الإمبراطور كاليغولا، التي تعكس مدى ترهل الابراطورية، والاضطراب داخل القصر، ويشير إلى أن الانهيار الروماني لم يكن مفاجئا، بل نتيجة تراكم عوامل سياسية واجتماعية وعسكرية، ثم الحروب الأهلية المتكررة، والفساد الإداري، والصراع بين النبلاء، وأزمات الخلفاء المتتابعة، كل تلك العوامل أضعفت الدولة من الداخل.
كما أدى توسع الإمبراطورية الكبير إلى صعوبة السيطرة على الأراضي البعيدة، مما تسبب فيانتشار الفساد وانهيار النظام القانوني، بالإضافة إلى التهديدات الخارجية من القبائل الجرمانية والهون، التي استغلت ضعف الإمبراطورية.
يبرز الكتاب أن سقوط روما كان نتيجة عوامل متشابكة داخلية وخارجية، وأن القصر الإمبراطوري كان بؤرة للصراعات التي أدت إلى النهاية.
الفصل السابع – الإمبراطورية الكارولنجية
يستعرض هذا الفصل إمبراطورية الكارولنجيين، التي أسسها شارلمان في أوروبا الغربية، والتي شكلت نقطة تحول في تاريخ أوروبا بعد سقوط روما، ويشير إلى أن هذه الإمبراطورية استطاعت توحيد أجزاء واسعة من أوروبا وإحياء الحياة الثقافية والسياسية، و يسلط الضوء على التحديات التي واجهتها، مثل النزاعات الداخلية بين الورثة، والصراعات مع الكنيسة، والضغوط الخارجية من الفايكنج والمجر.
يبرز دينتون الحادثة المعروفة بـ"حقل الأكاذيب" حيث انقلب الحلفاء على لويس الورع، ما يعكس تآكل الولاءات وضعف السلطة المركزية، ويبين المؤلف كيف أن تفكك النظام الوراثي وتآكل الشرعية السياسية أدى إلى تفكك الإمبراطورية تدريجيا، مما مهد الطريق لبزوغ ممالك جديدة وظهور النظام الإقطاعي في أوروبا.
الفصل الثامن – الخلافة العباسية.
يركز هذا الفصل على الخلافة العباسية، التي تعتبر ذروة الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى، حيث ازدهرت العلوم والفنون والثقافة في بغداد، عاصمة الخلافة، ويستعرض المؤلف كيف بدأت الخلافة بقوة، متحدية الأمويين، وموحدة العالم الإسلامي تحت حكم مركز قوي، لكن مع مرور الوقت، بدأت المشاكل تظهر في صورة صراعات داخلية، وفساد إداري، وضعف في القيادة السياسية، إلى جانب النزاعات الطائفية والقبلية.
و تبدو الأحداث الأبرز في هذا الفصل تدمير بغداد على يد المغول عام 1258، حيث تم إحراق المدينة وتدمير مكتبتها الشهيرة، الأمر الذي مثل نهاية عصر الخلافة العباسية كقوة سياسية وثقافية.
ويوضح دينتون أن سقوط العباسيين لم يكن مجرد غزو خارجي، بل نتاج تراكمات من الضعف الداخلي الذي ترك الباب مفتوحا أمام هذا السقوط المدمر.
الفصل التاسع – الإمبراطورية البيزنطية
في هذا الفصل، يستعرض المؤلف تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، الوريثة الشرقية للإمبراطورية الرومانية، التي امتدت لفترة تزيد عن ألف عام، ويسلط الضوء على دور البيزنطيين كحائط صد أمام الغزوات الإسلامية في العصور الوسطى، وحفاظهم على التراث الروماني واليوناني.
ويشرح دينتون كيف أدت الانقسامات السياسية الداخلية، والفساد، والصراعات بين النبلاء إلى إضعاف الإمبراطورية تدريجيا، كما يشير إلى الأثر المدمر للحملات الصليبية، خصوصا في الغزو الرابع عام 1204م الذي أدى إلى نهب القسطنطينية، وهو حدث اعتبر بمثابة الخيانة الكبرى من قبل الحلفاء الغربيين، فهذا الغزو أضعف البيزنطيين بشكل حاسم، ومهد الطريق لسقوط الإمبراطورية لاحقا على يد العثمانيين.
الفصل العاشر – إمبراطورية الخمير
في هذا الفصل، يستعرض تشاد دينتون إمبراطورية الخمير التي ازدهرت في جنوب شرق آسيا بين القرنين التاسع والثامن عشر الميلادي، واشتهرت بمعابد أنغكور وات الشهيرة. ويوضح كيف كانت الخمير قوة حضارية مزدهرة تمتلك نظاما إداريا واقتصادا متقدما؛ يعتمد على الزراعة والتجارة،
وينتقل المؤلف إلى الحديث عن أسباب الانهيار المفاجئ للإمبراطورية، والتي عزى جزءا كبيرا منها إلى الكوارث البيئية؛ مثل الجفاف وتغير المناخ، بالإضافة إلى الأزمات الاجتماعية والسياسية الداخلية التي أضعفت القدرة على مواجهة التحديات، وتركت هذه العوامل معا المدينة العظيمة مهجورة لفترة طويلة، مما جعلها رمزا لانهيار حضارة كاملة بفعل عوامل بيئية متشابكة مع فشل إداري وسياسي.
الفصل الحادي عشر – إمبراطورية الأزتك
يركز هذا الفصل على إمبراطورية الأزتك، التي كانت تهيمن على وسط المكسيك قبل وصول الإسبان في القرن السادس عشر، ويصف تشاد دينتون قوة الأزتك العسكرية والثقافية، وكيف استطاعوا بناء مجتمع معقد يعتمد على الديان الطقوسي، والزراعة، والنظام الطبقي الصارم، ويبين كيف أن الانقسامات الداخلية بين القبائل الحليفة، بالإضافة إلى الظلم الاجتماعي، واعتقاد الأزتك بالإضافة إلى عوامل أخرى جعلتهم غير قادرين على صد هجوم الإسبان بقيادة هيرنان كورتيس.
كان هذا الغزو مصحوبا بأمراض لم يكن للأزتك مناعة ضدها، مما أدى إلى انهيار سريع للابراطوية،ويرى المؤلف أن السقوط لم يكن مجرد هزيمة عسكرية، بل نتيجة لعوامل مركبة من داخل الإمبراطورية وخارجها، جعلت الشمس لا تشرق مرة أخرى على حضارة الأزتك.
الفصل الثاني عشر – الإمبراطورية المغولية
يتناول تشاد دينتون في هذا الفصل إمبراطورية المغول في الهند، التي تأسست في القرن السادس عشر وازدهرت تحت حكم أعظم امبراطوراتها مثل أكبر شاه جهان، ويصف كيف استطاعت الإمبراطورية المزج بين التراث الإسلامي والثقافات الهندية المتنوعة، مما أتاح لها فترة طويلة من الاستقرار والازدهار.
ثم يصل إلى التحديات التي نشأت من الصراعات الداخلية، خصوصا التمردات والنزاعات بين أفراد الأسرة المالكة، بالإضافة إلى ضعف القيادة في الفترات اللاحقة، كما يشير إلى مساهمة تدخلات القوى الأوروبية، خصوصا البريطانيين، في تقويض السلطة المركزية. ويخلص الفصل إلى أن سقوط الإمبراطورية المغولية لم يكن نتيجة هجوم خارجي فقط، بل تراكم عوامل داخلية من الفساد والتنازع أسهمت في تفكيك هذا الكيان الكبير.
الفصل الثالث عشر – الإمبراطورية العثمانية
يستعرض تشاد دينتون في هذا الفصل الإمبراطورية العثمانية التي استمرت لأكثر من ستة قرون، وسيطرت على مناطق واسعة من أوروبا وآسيا وأفريقيا، ويوضح كيف بنيت الإمبراطورية على نظام إداري قوي وجيش منظم، بالإضافة إلى قدرة عالية على التكيف مع التنوع الثقافي والديني داخل حدودها.
ثم يتناول مظاهر الانهيار التدريجي مع تصاعد التحديات السياسية والاقتصادية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث أضعفت الحروب المتكررة والفساد الإداري الدولة، كما لعبت حركات الاستقلال القومية وتدخل القوى الأوروبية دورا في تفكيك الإمبراطورية. ويسلط الفصل الضوء على أزمة "الرجل المريض "، حيث فقدت الإمبراطورية الكثير من أراضيها قبل أن تنهار رسميا بعد الحرب العالمية الأولى، ليبدأ عصر جديد في الشرق الأوسط.
الفصل الرابع عشر – الإمبراطورية الروسية
يتناول الورف في هذا الفصل سقوط الإمبراطورية الروسية التي كانت تمتد عبر قارات شاسعة وتجمع شعوبا وثقافات متعددة تحت حكم القيصر، ويسلط دينتون الضوء على عوامل السقوط، ولا سيما الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، مثل القمع السياسي، والفساد المتفشي في الحكومة.
ويركز المؤلف بشكل خاص على حادثة "الأحد الدامي" في عام 1905، عندما تعرض المتظاهرون السلميون للقتل البشع على يد القوات القيصرية، وهو الحدث الذي مثل نقطة تحول حاسمة في زعزعة ثقة الشعب بالقيصر، ثم يناقش الفصل تأثير الحرب العالمية الأولى على الإمبراطورية، إذ استنزفت مواردها وعمقت الأزمات، ويرى أن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ثورة 1917 التي أنهت حكم الرومانوف وبداية النظام السوفيتي.
الفصل الخامس عشر – إمبراطورية اليابان
يركز دينتون في هذا الفصل على إمبراطورية اليابان في فترة ما قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، والتي تحولت من دولة إقطاعية إلى قوة صناعية وعسكرية عظمى في آسيا، ويوضح كيف استخدم النظام الإمبراطوري لتعزيز الوحدة الوطنية والولاء، مع مركزية دور الإمبراطور كرمز للحكم الإلهي.
ويتناول المؤلف أحداث الحرب العالمية الثانية، خاصة الهزيمة القاسية التي واجهتها اليابان عقب القصف بالقنبلة النووية لهيروشيما وناغازاكي، والتي أدت إلى استسلامها وإعادة تشكيل النظام السياسي والاجتماعي.
ويخلص إلى الدور التاريخي لإذاعة الإمبراطور في إعلان الاستسلام، كعلامة على نهاية عصر الإمبراطورية اليابانية التقليدية وتحولها إلى دولة حديثة ذات نظام ديمقراطي تحت الاحتلال الأمريكي.
الفصل السادس عشر – الإمبراطوريةالبريطانية
يركز هذا الفصل على الإمبراطورية البريطانية التي كانت تمتد عبر قارات العالم، وتعد واحدة من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ. يستعرض الكاتب كيف بلغت الإمبراطورية ذروة قوتها في القرنين التاسع عشر والعشرين، مع سيطرة اقتصادية وعسكرية هائلة. لكن الأزمة الكبرى التي بدأ فيها سقوط الإمبراطورية كانت أزمة قناة السويس عام 1956، حيث فشلت بريطانيا وفرنسا في استعادة السيطرة على القناة من مصر بعد تأميمها.
هذا الحدث كان بمثابة فضيحة دولية كشفت ضعف الإمبراطورية وعجزها عن مواجهة التحديات الجديدة في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية وصعود القوى الجديدة مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ويوضح الفصل أن هذه الأزمة كانت نقطة تحول أدت إلى نهاية النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط وبدء تفكك الإمبراطورية.
الفصل السابع عشر –الاتحاد السوفيتي
يركز هذا الفصل الختامي على انهيار الاتحاد السوفيتي، الإمبراطورية الحديثة التي ظهرت بعد الثورة الروسية في 1917 وأصبحت ثاني أعظم قوة عالمية في القرن العشرين. ويشرح تشاد دينتونكيف كان الاتحاد السوفيتي نظاما استبداديا مركزيا، تميز بالقوة العسكرية والتكنولوجية، لكنه عانى من مشاكل اقتصادية، وبيروقراطية فاسدة، وأزمات اجتماعية متفاقمة.
ويلقي المؤلف الضوء على دور القادة مثل غورباتشوف ومحاولاتهم لإصلاح النظام من خلال سياسات "البيريسترويكا" و"الغلاسنوست"، التي فتحت الباب أمام التغيير السياسي والاقتصادي، لكنها في الوقت نفسه أضعفت قبضة الحزب الشيوعي. كما يشير إلى تصاعد الحركات الوطنية في جمهوريات البلطيق وشرق أوروبا، ومطالبها بالاستقلال، التي كانت كفيلة بهزيمة الإمبراطورية السوفيتية.
الخاتمة – دروس من سقوط الإمبراطوريات
ينهي تشاد دينتون كتابه بتأمل شامل في ظاهرة انهيار الإمبراطوريات، مؤكدا أن التاريخ يكشف لنا أن لا قوة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية تدوم إلى الأبد. فحتى الكيانات التي بدت خالدة أو عصية على التغيير – مثل روما أو الإمبراطورية البريطانية –وصلت في النهاية إلى نقطة الانكسار.
يرى المؤلف أن السقوط ليس نتاج سبب واحد، بل هو حصيلة تفاعل معقد بين عدة عوامل، أهمها:
• الأزمات الداخلية: من صراعات النخب، إلىالفساد، ثم الاستبداد.
• التحديات الخارجية: كالغزو، والمنافسة مع القوى الصاعدة الأخرى.
• العوامل البيئية والاقتصادية: مثل الكوارث الطبيعية، والأوبئة، واستنزاف الموارد.
• الفجوة بين الحاكم والمحكوم: فحين تفقد النخب السياسية شرعيتها أو تعجز عن تلبية احتياجات شعوبها تتسع الفجوة بين النظام والشعب، فيزداد النظام انعزالا واستبدادا.
يؤكد دينتون أن السقوط لا يحدث فجأة، بل يتراكم ببطء عبر أزمات صغيرة تتجاهلها النخب الحاكمة حتى تتحول إلى أزمة كبرى لا رجعة فيها. وهنا يشبه الإمبراطوريات بالكائنات الحية: تولد، تنمو، تزدهر، ثم تشيخ وتنهار.
أما الدرس المعاصر الذي يتركه الكتاب فهو أن المجتمعات الحالية ليست محصنة ضد الانهيار. لكن خلافا للتصور الحتمي، يمكن تفادي السقوط إذا توفرت القدرة على الإصلاح، العدل الاجتماعي، والقدرة على التكيف مع التغيرات البيئية والاقتصادية.
بهذا، يدعو المؤلف القارئ إلى النظر للتاريخ لا كحكاية عن الماضي فحسب، بل كمرآة تنبهنا إلى هشاشة أنظمتنا الحالية، وتحفزنا على بناء أنظمة أكثر مرونة وعدلا حتى لا نكرر مصير من سبقنا.
وقد اعتبر الكتاب مدخلا سهلا وميسرا لفهم طبيعة سقوط الإمبراطوريات، ومناسب للقارئ غير المختصولكل المهتم بالتاريخ السياسي، وأشاد النقاد بالسرد القصصي الجذاب الذي يجعل الأحداث التاريخية أكثر حيوية وأقرب للمتلقي، كما أن اعتماده على التنوع الجغرافي والتاريخي في اختيار الإمبراطوريات، سمح له برؤية أوسع وأشملفي المقارنة بين الأنظمة المختلفة.
غير أن بعض النقاد أشار إلى أن الكتاب لا يقدم تحليلات معمقة كافية للظروف الاقتصادية أو الاجتماعية في بعض الحالات، مثل سقوط الإمبراطورية الصينية، ويعتمد في بعض المواضع على سرد الأحداث دون الغوص في التعقيدات السياسية أو الثقافية.
ومهما قيل عنه فإنه يقدم نظرة شاملة وعامة لفهم كيف ولماذا تنهار الإمبراطوريات الكبرى عبر الزمن، وبأن القوى العظيمة ليست دائمة، وأن تاريخ السلطة مليء بالدروس حول هشاشة الإنسان وأنظمته، مما يجعله قراءة مهمة لكل مهتم بتاريخ السياسة، الحضارات، والأنظمة السياسية.