دور العوامل الجغرافية في تعزيز الأمن العسكري بموريتانيا

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

 

 

 

عنوان المقال:

 

دور العوامل الجغرافية في تعزيز 

الأمن العسكري بموريتانيا

 

 

 

 

إعداد: 

زينب بنت سيد أحمد الملقبة شيماء

باحثة في مجال الجغرافيا البيئية 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة 

تعد الجغرافيا عاملا محوريا في رسم معالم الأمن القومي للدول، لما لها من تأثير مباشر على الاستراتيجيات الدفاعية والتخطيط العسكري، حيث أن الجغرافيا لا تحدد فقط مكان الدول على الخريطة، بل تؤثر على نوعية التهديدات التي قد تواجهها، كما تساهم في تحديد طبيعة الترتيبات الأمنية التي تحتاجها،إضافة أن الجغرافيا تمثل إطارا بنيويا تتحرك فيه الكتائب والجيوش، وتصاغ وفقه العقائد العسكرية.

ونظرا لذلك، فإن العوامل الجغرافية تكتسي أهمية خاصة في الدول التي تتمتع بمساحات شاسعة وتنوع بيئي كالذي تتميز به موريتانيا، فهي دولة ذات موقع استراتيجي بين شمال وغرب إفريقيا، وتطل على المحيط الأطلسي، وذلك ما يمنحها أبعاداأمنية متشابكة تتأثر بالتحولات الإقليمية والدولية، تحيط بها حدود واسعة تمتد لآلاف الكيلومترات مع دول تعاني من هشاشة أمنية مثل مالي، وهو ما يزيد من الضغط على قواتها المسلحة في تأمين التراب الوطني. كما أن امتدادها الصحراوي الواسع يجعل منها بيئة صعبة التغلغل من جهة، لكنه في الوقت ذاته يطرح تحديات كبيرة أمام مراقبة الحدود، ويزيد من تعقيد العمليات العسكرية، خاصة في ظل نقص البنى التحتية. هذه الخصوصية الجغرافية تحتم على الدولة الموريتانية توظيف العوامل الطبيعية ليس فقط كعناصر دفاع، بل كأدوات تدمج ضمن منظومتها الأمنية الشاملة.

ولا يمكن إغفال أن العوامل البيئية مثل المناخ القاسي، وندرة الموارد المائية، والانتشار السكاني غير المتوازن، كلها عناصر تفرض معادلات خاصة على التخطيط العسكري، بدءا من الانتشار ومرورا بالتموين وانتهاء بآليات الاستجابة للطوارئ.

وبشكل عام، يهدف هذا المقال إلى إبراز كيف تسهم هذه العوامل الجغرافية والبيئية في دعم الجهود العسكرية لموريتانيا، مع الإشارة إلى التحديات والفرص التي تفرضها هذه الخصائص على الأمن العسكري، وذلك في ظل واقع إقليمي متقلب وسياقات جيوسياسية متغيرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحور الأول: أهم العوامل الجغرافية المؤثرة 

تشكل الجغرافيا الموريتانية عنصرا مهما في صياغة التصورات الأمنية والعسكرية للدولة، فامتداد البلاد على مساحة تفوق المليون كيلومتر مربع، وتنوع تضاريسها من صحاري شاسعة إلى جبال وهضاب، يجعل من التحكم في المجال الترابي تحديا حقيقيا يستدعي توزيعا مدروسا للقوات وتخطيطا دقيقا للبنية الدفاعية.
ويضاف إلى ذلك طول الحدود البرية، التي تتجاوز 5 آلاف كيلومتر مع عدة دول تعاني من اضطرابات أمنية، ما يفرض استعدادا دائما لمواجهة التهديدات العابرة للحدود، كالجريمة المنظمة والإرهاب.

أما السواحل الأطلسية، فتشكل بدورها نقطة استراتيجية حساسة، من جهة حماية المصالح الاقتصادية البحرية، ومن جهة أخرى صد أي تهديدات بحرية محتملة. كل هذه العوامل تبرز أهمية الجغرافيا كفاعل مباشر في تحديد طبيعة التهديدات الأمنية والآليات المناسبة للتعامل معها.

1 ـ الموقع الجغرافي الاستراتيجي 

ـ الموقع الحدودي: تشترك موريتانيا في حدود برية طويلة مع دول تعاني من اضطرابات سياسية وأمنية مثل مالي والجزائر، ما يجعلها عرضة لتأثيرات خارجية مثل التسلل المسلح، والتهريب، وتسرب الجماعات المتطرفة. هذا الموقع يتطلب يقظة دائمة من طرف الأجهزة الأمنية.

ـ الانفتاح على المحيط الأطلسي: يتيح الانفتاح على المحيط الأطلسي لموريتانيا فرصا لتعزيز الأمن البحري ويدفع نحو تطوير القدرات البحرية لمراقبة السواحل الممتدة وحماية المياه الإقليمية من التهريب والصيد غير المشروع.

ـ الربط الإقليمي: تشكل موريتانيا معبرا جغرافيا يربط بين المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، ذلك ما يمنحها أهمية استراتيجية في تنسيق العمليات الأمنية عبر الفضاء الساحلي والصحراوي.

2 ـ طبيعة تضاريس وتأثيرها على الأمن العسكري

ـ الصحاري الشاسعة: تشكل صحراء موريتانيا نحو 80% من مساحة البلاد، وهو ما يمنحها نوعا من العزلة الطبيعية التي تقلل من فرص الهجوم البري واسع النطاق، لكن هذا لا يمنع تسلل جماعات صغيرة يصعب كشفها في الوقت المناسب.

ـ التضاريس الوعرة في الشمال: تحتوي الشمال (مثل تيرسزمور)، على جبال وهضاب، توفر ملاذا طبيعيا يمكن استغلالهمن قبل الجماعات المسلحة، ما يستدعي نشر وحدات استطلاع ومراقبة جوية مستمرة.

ـ الجنوب الزراعي والرعوي: تتميز المناطق الجنوبية من البلادبكثافة السكان نظرا لاحتوائها أراض زراعية ورعوية، مما يجعلها عرضة للنزاعات المحلية والتدخلات الخارجية عبر الحدود، وتتطلب حضورا عسكريا منتظما لاحتواء الأزمات.

3 ـ الحدود الطويلة والتحديات الأمنية المرتبطة بها

ـ الطول الجغرافي: تتجاوز حدود موريتانيا البرية 5000 كلم، موزعة على دول متعددة، ما يجعل مراقبتها بالكامل أمرا معقدامن الناحية التقنية والبشرية.

ـ النشاط غير النظامي: تسجل الحدود مع مالي تحديدا أنشطة مكثفة للمهربين والجماعات المسلحة، ما يفرض على الجيش إنشاء نقاط مراقبة دائمة ودوريات راجلة ومتنقلة.

ـ الحاجة إلى التعاون الإقليمي: بالنظر إلى الطبيعة المفتوحة للحدود، لا يمكن لموريتانيا وحدها تأمين حدودها، بل يتطلب الأمر تعاونا وثيقا مع دول الجوار، خصوصا مالي والجزائر والسنغال، من خلال مبادرات مثل مجموعة دول الساحل الخمس.

4 ـ البيئة المناخية وأثرها على الأداء العسكري

ـ الحرارة المرتفعة: تتميز بعض مناطق البلاد بارتفاع درجات الحرارة، لتصل حوالي (45°) ما يؤثر على لياقة العساكرويستلزم تجهيزات خاصة للحفاظ على الجاهزية العسكرية التامة.

ـ الزحف الرملي والعواصف: تؤثر هذا العامل على حركة الآلياتالعسكرية وتحد كذلك من الرؤية، ما يستدعي تطوير تقنيات ملاحة وتدريب العساكر على التكيف مع الظروف المناخية القاسية.

ـ التدريب في بيئة صحراوية: يشكل تحديا ويمنح في الوقت ذاته ميزة، إذ أن الجيش الموريتاني يمتلك خبرة ميدانية عالية في التعامل مع الصحراء، وهو ما يعزز جاهزيته في العمليات التي تتطلب مطاردة أو ملاحقة في المناطق الوعرة.

المحور الثاني: أبرز العوامل البيئية المؤثرة 

إلى جانب الأبعاد الجغرافية، تبرز العوامل البيئية كمكون أساسي في تشكيل المشهد الأمني والعسكري بموريتانيا. فالظروف المناخية القاسية، من ارتفاع درجات الحرارة إلى العواصف الرملية المتكررة، لا تؤثر فقط على حياة السكان، بل تضع القوات المسلحة أمام اختبارات يومية في الجاهزية والتكيف. كما تفرض البيئة الصحراوية الممتدة تحديات لوجستية ومعنوية تتطلب قدرة عالية على التحمل والتخطيط. إضافة إلى أن ندرة المياه، وتفاوت المناخ بين الشمال والجنوب، تضيف أبعادامعقدة في تحديد أماكن الانتشار، وأنماط التدريب، وسبل التحرك الميداني.

في المقابل، يمكن لهذه البيئة أن تتحول إلى ورقة قوة، إذ تمنح القوات المتأقلمة معها ميزة نسبية في الصراع مع أي خصم لا يمتلك نفس الخبرة والمعرفة الطبيعية. ومن هنا، تبرز أهمية دمج المعطيات البيئية في كل السياسات والخطط الدفاعية الوطنية.

1 ـ الحرارة المرتفعة 

تعتبر درجات الحرارة أحد أبرز العوامل المناخية التي تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية في موريتانيا، وعلى قدرات القوات العسكرية في البلاد. حيث تتسم البلاد بمناخ صحراوي حار وجاف في معظم أنحاءها، إذ تتجاوز درجات الحرارة (45°)بالصيف في العديد من المناطق، خاصة في الشمال والوسط. وعلى الرغم من أن مناطق الجنوب تشهد فصول أمطار موسمية، فإن الحرارة تظل مرتفعة للغاية طوال العام. وتتأثر موريتانيا بشكل كبير بالرياح الحارة القادمة من الصحراء الكبرى، مما يزيد من شدة الحرارة ويجعلها قاسية في المناطق الداخلية. في فصل الصيف، تكون الحرارة أكثر قسوة، حيث يمكن أن تتجاوز 50 درجة مئوية في بعض المناطق، مما يجعلها من أعلى درجات الحرارة في المنطقة. هذه الظروف تتطلب من السكان، بما في ذلك القوات العسكرية، اتخاذ تدابير خاصة للتأقلم مع هذه البيئة القاسية.

ونتيجة لذلك، تؤثر درجات الحرارة المرتفعة بشكل مباشر على سير العمليات العسكرية والتكتيك المعتمد. فارتفاع درجة الحرارة يقلل من قدرة الجنود على البقاء في الميدان لفترات طويلة، كما يؤثر كذلك على المعدات العسكرية فالمركبات والمعدات التقنية قد تواجه مشاكل في الأداء بسبب الحرارة المرتفعة، مما يستدعي صيانة دورية وتهيئة تجهيزات متكيفة مع الظروف المناخية. 

ويمكن حصر ذلك التأثير فيما يلي:

ـ صحة الجنود: ترتفع معدلات الإصابة بضربات الشمس والجفاف والإجهاد الحراري، ما يستدعي مراقبة طبية ميدانية مستمرة.

ـ مدة العمليات: تفرض عمليات ليلية أو في الصباح الباكر لتفادي الذروة الحرارية.

ـ البنية التحتية: تأثر منشآت عسكرية كالخيام والمخازن التي تتدهور سريعا تحت درجات الحرارة العالية.

ـ التجهيزات الشخصية: الحاجة إلى زي عسكري خفيف وخوذات مقاومة للحرارة وخزانات ماء فردية.

2 ـ تفاوت المناخ بين الشمال والجنوب 

يعد التباين المناخي بين شمال موريتانيا وجنوبها من أبرز الخصائص البيئية التي تؤثر في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال العسكري. ففي شمال البلاد يسود المناخ الصحراوي الجاف، حيث نادرا ما تتساقط الأمطار وتكون درجات الحرارة مرتفعة طيلة العام، يتميز الجنوب بمناخ شبه رطب نسبيا، خصوصا في المناطق القريبة من نهر السنغال، حيث تسجل معدلات أمطار موسمية معتدلة إلى مرتفعة. هذا التفاوت المناخي يفرض تنوعا في التحديات البيئية وطبيعة النشاطات البشرية والعسكرية. ففي الشمال، تكون التضاريس قاسية والغطاء النباتي شبه منعدم، ما يتطلب تجهيزات خاصة وقدرات عالية على التحمل. أما في الجنوب، فالأمطار الموسمية تُسبب أحيانًا فيضانات تعيق الحركة وتؤثر على البنية التحتية، لكنها في المقابل توفر موارد مائية وغطاء نباتي يمكن استغلاله ميدانيا.

على الصعيد العسكري، يفرض هذا التباين إعداد استراتيجيات مختلفة من حيث الانتشار، التدريب، والتموين، بما يتناسب مع الخصائص المناخية لكل منطقة. كما يتطلب من القوات المسلحة قدرة عالية على التكيف مع بيئتين مناخيتين متناقضتين داخل نفس الدولة.

وتتضح تلك التأثيرات في: 

ـ التحضير الموسمي: وجوب إعادة توزيع القوات العسكرية حسب مواسم الأمطار والجفاف.

ـ اختلاف التكتيك: القتال في مناطق رطبة يحتاج تجهيزات تختلف عن العمليات في بيئة قاحلة.

ـ تحديات الإمداد: الطرق في الجنوب تتأثر بالفيضانات، ما يعيق التموين والنقل الثقيل.

ـ انتقال العدوى: المناطق الجنوبية أكثر عرضة للأوبئة (كالملاريا)مما يؤثر على الجاهزية الصحية للقوات.

3 ـ العواصف الرملية وزحف الرمال

تعد العواصف الرملية وزحف الرمال من أبرز الظواهر البيئية في موريتانيا، نظرا لطبيعتها الصحراوية الواسعة وموقعها الجغرافي ضمن حزام الجفاف في إفريقيا. وتشهد البلاد سنويا العديد من العواصف الرملية، خاصة في فصل الصيف والربيع، حيث تنشط الرياح الشمالية الجافة، ناقلة معها كميات هائلة من الرمال والغبار، ما يؤدي إلى انخفاض حاد في مدى الرؤية، وتعطيل الحركة الجوية والبرية. أما زحف الرمال، فهو ظاهرة بطيئة لكنها مستمرة، تتمثل في تمدد الرمال على حساب الأراضي الزراعية والمناطق السكنية، خصوصا في الجنوب والجنوب الشرقي من البلاد. ويعد هذا الزحف تهديدا بيئيا واقتصاديا، ويضيف عبئاعلى الدولة في مجال الأمن الغذائي والاستقرار السكاني.

من الناحية العسكرية، تشكل العواصف الرملية تحديا ميدانيا كبيرا، حيث تؤثر على كفاءة العمليات الجوية، وتعيق حركة الدوريات البرية، وتضعف من فعالية أنظمة المراقبة الإلكترونية. كما أن الرمال المتحركة تسبب تآكلا سريعا للمعدات، وتستدعي صيانة دورية واستعمال تجهيزات مقاومة للعوامل الجوية.

ويتمثل تأثير هذه العواصف الرملية وزحف الرمال فيما يلي: 

ـ الرؤية: انخفاض الرؤية لأقل من 10 أمتار يوقف الطيران ويعقدالتحركات البرية.

ـ أنظمة الملاحة: يحدث الرمل خللا في أجهزة الملاحة والاتصال، وذلك ما يستلزم عزل المعدات أو إدخال تكنولوجيا مقاومة للرمال.

ـ استراتيجيات التمويه: يمكن استغلال العواصف كغطاء طبيعي لتحرك القوات أو كأداة تمويه ضد الاستهداف الجوي.

ـ التأثير النفسي: العزلة المؤقتة وشدة المناخ قد تؤثر على المعنويات والانضباط.

4 ـ ندرة المياه والمصادر البيئية

تتركز الموارد المائية الدائمة في جنوب البلاد (نهر السنغال) بينما تعاني مناطق الوسط والشمال من ندرتها، حيث تعتمد على مياه جوفية أو خزانات موسمية. ويعتبر ذلك عاملا حاسما في الاستراتيجية العسكرية والأمنية بالبلاد، وتكمن تأثيراته في: 

ـ خطط التموين: ضرورة إنشاء قوافل مائية ثابتة أو الاعتماد على وحدات متنقلة لتحلية المياه.

ـ المسؤولية البيئية: حماية الآبار والمصادر الطبيعية من التخريب تصبح مهمة عسكرية ذات بعد استراتيجي.

ـ توجيه الانتشار: تمركز القوات غالبا ما يتبع توفر الماء، مما يحد من المرونة في بعض الحالات.

ـ حماية المدنيين: انقطاع الموارد يسبب توترات اجتماعية قد تتحول إلى تهديدات أمنية تحتاج تدخلا عسكريا.

5 ـ الكثافة السكانية المنخفضة والطبيعة المفتوحة

نتيجة التوزيع السكاني غير متساو داخل المجال الموريتاني،وذلك ما خلف مناطق شاسعة خالية من السكان تخلق فراغا أمنيا، وتسهل مرور الجماعات المسلحة دون رصد فوري. وتتمثل تأثيرات ذلك في: 

ـ المراقبة: صعوبة تغطية الفضاءات المفتوحة تستوجب تكنولوجيا رقابة متطورة.

ـ الانتشار الذكي: يتطلب إنشاء قواعد أمامية متنقلة قادرة على التحرك بسرعة.

ـ دور السكان المحليين: نقص الكثافة السكانية يعني ضعف شبكة الاستخبارات البشرية.

ـ إدارة الحدود: يعصب ضبط الحدود الطبيعية المفتوحة، خاصة في مناطق التماس مع مالي والجزائر.

 

 

6 ـ محدودية البنية التحتية البيئية 

تعاني بعض المناطق الموريتانية من غياب الطرق المعبدة أو الجسور، خاصة في مناطق البلاد الداخلية والضواحي الحدودية، وذلك له تأثيراته المتمثلة فيما يلي. 

ـ التحرك الميداني: صعوبة نقل العتاد الثقيل أو الوحدات الكبيرة في أوقات الطوارئ.

ـ نقل الجرحى: عدم وجود طرق سالكة قد يؤخر إسعاف الجنود المصابين، ما يؤثر على الروح القتالية.

ـ الدعم الجوي: في بعض المناطق، تضطر القوات للاعتماد الكامل على النقل الجوي، ما يرفع التكلفة ويقلل الاستدامة.

ـ تأمين القواعد: ضعف البنية يُصعّب بناء قواعد دائمة، ويزيد من اعتماد الجيش على مراكز متنقلة أو مؤقتة.

وبعد استكمال المحورين، سنستعرض جملة من التوصيات لتعزيز الأمن العسكري في ظل المعطيات الجغرافية والبيئية بموريتانيا.

∉ تعزيز التأقلم المناخي: توفير تجهيزات عسكرية مناسبة لظروف الحرارة المرتفعة والعواصف الرملية، بما يشمل الزي الميداني والمعدات المقاومة للمناخ الصحراوي.

∉ تطوير قدرات الرصد الجوي والميداني: اعتماد تقنيات مراقبة متطورة يمكنها العمل بكفاءة في ظل ضعف الرؤية الناتج عن العواصف الرملية.

∉ تحسين البنية التحتية العسكرية: إنشاء طرق ومراكز دعم لوجستي متكيفة مع التضاريس والمناخ، خصوصاً في المناطق النائية.

∉ تنويع استراتيجيات الانتشار العسكري: بناء خطط انتشار مرنة تأخذ بعين الاعتبار التفاوت المناخي بين الشمال والجنوب وتغير الفصول.

∉ تأهيل العنصر البشري: تدريب الوحدات العسكرية على العمل في بيئات قاسية، وتزويدهم بمهارات التكيف مع الجفاف، الحرارة، والفيضانات.

∉ إدارة الموارد البيئية: حماية مصادر المياه وتعزيز الأمن حولها، خاصة في المناطق المعزولة التي تمثل نقاط ضعف أمنية.

∉ التنسيق مع السكان المحليين: إشراك المجتمعات القروية في جهود الرصد والإنذار المبكر، لتعويض ضعف الكثافة السكانية في بعض المناطق.

∉ تعزيز البحث العلمي العسكري: دعم الدراسات البيئية والمناخية لتحديث التكتيكات العسكرية وفقًا للتغيرات الجغرافية المستمرة.

∉ اعتماد استراتيجيات أمن حدود مبتكرة: استخدام الطائرات بدون طيار والمراقبة الفضائية لضبط الحدود الصحراوية المفتوحة.

∉ تشجيع التعاون الإقليمي: تقوية التنسيق الأمني مع الدول المجاورة لمواجهة التهديدات العابرة للحدود التي تستغل الطبيعة الجغرافية المشتركة.

 

 

خاتمة 

تمثل العوامل الجغرافية تحديا وعاملا فاعلا أمام السياسات الأمنية، فهي من جهة توفر فرصا استراتيجية للدفاع والرقابة، ومن جهة أخرى تفرض تحديات تتطلب تأهيلا خاصا وتخطيطادقيقا. فالموقع الاستراتيجي الذي يتوسط مناطق غير مستقرة، والتضاريس المتنوعة التي تمتد من الصحاري القاحلة إلى السواحل البحرية الغنية، كلها عناصر تضيف طبقات متعددة من التعقيد إلى المشهد الأمني. كما أن هذه الخصائص تفرض على مركز صناعة القرار العسكري إعادة التفكير باستمرار في أنماط الانتشار، والجاهزية، والقدرة على المناورة. فمثلا، يفرض طول الحدود مع مالي اعتماد سياسة دفاعية مرنة تتراوح بين الانتشار الثابت والوحدات المتنقلة، بالإضافة إلى تطوير وسائل المراقبة الجوية والاستشعار عن بعد. ومن جهة أخرى، فإن طبيعة المناخ والبيئة الصعبة تُحتّم الاستثمار في تدريب الجنود على التأقلم مع الظروف البيئية القاسية، إلى جانب ضرورة تطوير البنية التحتية العسكرية في المناطق النائية، لتسهيل حركة القوات وضمان الإمداد.

وفي ظل تصاعد التهديدات العابرة للحدود وتنامي ظاهرة الجماعات المسلحة، تظهر الحاجة الملحة لتفعيل التنسيق الأمني الإقليمي، خاصة ضمن أطر مثل مجموعة دول الساحل الخمس، بما يضمن استجابة جماعية فعالة تراعي خصوصيات كل بلد.

وتبرز أيضا أهمية إدماج التقنيات الحديثة في العمل العسكري، من خلال تعزيز قدرات الاستطلاع والإنذار المبكر، وتطوير أنظمة القيادة والسيطرة، وهو ما يستلزم شراكات دولية وإرادة سياسية قوية. كما أن الرهان الحقيقي اليوم يتمثل في قدرة الدولة الموريتانية على استثمار هذه الخصوصيات الجغرافية لتكون عنصرا معززا للأمن وليس عبئا عليه، عبر الجمع بين التخطيط الاستراتيجي، وتحديث القدرات، والانخراط الفعّال في التعاون الإقليمي والدولي.

وفي النهاية، فإن مستقبل الأمن العسكري في موريتانيا سيظل مرتهنا بمدى قدرة الدولة على قراءة جغرافيتها قراءة استراتيجية شاملة، تستثمر في نقاط القوة وتطوق بذكاء مواطن الضعف، في إطار رؤية وطنية جامعة تعي أن الأمن ركيزة للاستقرار والتنمية معا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع والمصادر 

 

1 ـ الكتب والمؤلفات 

☜ أطلس الهجرات والتسيير الإقليمي، جامعة روان، مختبر الدراسات والبحوث الجغرافية، جامعة نواكشوط.

☜ اعلي لبيب، جغرافية السكان (الثابتوالمتحول)، الدار العربية للعلوم، بيروت، الطبعة الثانية، 2004. 

☜ قواس أبا عبد الرحمن المهنا، النظم البيئية والإنسان، بدون دار نشر، السعودية، 2005. 

☜ إبراهيم احمد يونس، البيئة والتشريعات البيئية، بدون دار نشر، عمان، الأردن، 2009. 

2 ـ التقارير

☜ تقرير الأمم المتحدة عن البيئة والتنمية المستدامة في موريتانيا.

☜ تقرير الإطار الاستراتيجي، وزارة البيئة.

3 ـ المواقع الالكترونية 

☜ الموقع الإلكتروني للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، على الرابط التالي: 

https://www.primature.gov.mr/ar/node/759

☜ الموقع الإلكتروني للوزارة الموريتانية الأولى، على الرابط التالي:

https://www.primature.gov.mr/ar/node/759

☜ الموقع الإلكتروني للوكالة الوطنية للأنباء، على الرابط التالي:

https://www.ami.mr/Depeche-24184.html

☜ موقع الأخبار الإلكتروني، على الرابط التالي: 

https://alakhbar.info/?q=node/49473

☜ موقع الموسوعة العربية العلمية: www.mawsoah.net

 

جمعة, 24/10/2025 - 16:07

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك