المؤسسة العسكرية ودورها في حماية الديمقراطية

التوافق الجماعي هو صورة فوقية للانسجام بين أكثر من مكون، ومن أهم مظاهره تولي بعض أفراد المجتمع طوعا الدفاع المادي والمعنوي عن هذا التوافق، أو تنازل المجتمع لبعض أفراده عن واجب الدفاع عنه، وحمايته، والأهم من ذلك التنازل عن شرف التضحية دفاعا عن هذا الانسجام ..

لقد كانت المؤسسات العسكرية الصورة المثلى لهذا التنازل، حيث تتولى شرف الدفاع عن المجتمع، وتجسد في صورة فريدة ضمير وروح الأمة النابض، لأن المجتمع يحس إزاءها بامتنان لايتوفر لأي قطاع آخر من قطاعات المجتمع، فلا شيء أعظم صفة ولا أصدق تعبيرا من التضحية بالنفس، لأن كل البشر مجمعون على أن الحياة هي أغلى ما لدى الإنسان، فإن ضحي بها فقد بذل أغلى ما يملك، لهذا فإن الجندي الذي يضع روحه على كفه ويتحدى فوهات المدافع، إنما يجسد الصورة الأكمل للإنسان الذي توافرت فيه شروط الانسجام مع الذات والشرف، بحيث تحفر صورته في الذاكرة الجمعية إلى الأبد.

وصورة المؤسسة العسكرية في المجتمعات الديمقراطية هي صورة مركبة من عدة أوجه، فهي تجسد جانبا مهما من البنية الفوقية للمجتمع، وهو القوة، إلا أنها مع ذلك تعبر عن أسمى مظاهر وحدة هذا المجتمع، فهي باتفاق جميع أفراد ومكونات هذا المجتمع فوق كل اعتبار ظرفي أو خلاف سياسي، أو منزع طبقي أو فئوي ... لذا فإن الأحزاب مهما بلغت من الغلو والتطرف تحترم للقوات المسلحة هذه المكانة الرفيعة.

لقد ظلت المؤسسة العسكرية الموريتانية تحمي منذ إنشائها وحدة وانسجام المجتمع الموريتاني، وهذه ميزة لايجادل فيها أحد، ففي مجتمعنا المنوع الأعراق والثقافات لا بد أن توجد قوى ينخرط فيها الجميع ويحترمها الجميع لتظل الوحدة والانسجام بين مكونات المجتمع قائمة، وهذا ما جسدته قواتنا المسلحة باعتزاز وشرف. ففي كل هزة يتعرض لها المجتمع الموريتاني، تنبري المؤسسة العسكرية لحماية وحدة المجتمع وضمان أمنه واستقراره.

وهذه الصورة الرائعة تجسدت أيضا في أن هذه المؤسسة لعبت دورا كبيرا وحاسما في التعجيل بإنضاج التجربة الديمقراطية الموريتانية الحديثة، ويمكن أن نرصد ذلك في ثلاث محطات أساسية:

المحطة الأولي : عندما أقدمت هذه المؤسسة في العاشر من يوليو 1978 على وضع حد لنظام الحزب الواحد، وكانت تسعى إلى إقامة نظام تعددي وديمقراطي، وهو ما جسدته محاولة إنشاء مجلس استشاري متعدد الأبعاد والاتجاهات، وقد أنشئ فعلا، لكنه ألقي بسبب أنه لم يكن موضع اتفاق جميع قادة العاشر من يوليو، كما أن الظروف لم تنضج بعد لإنشاء مثل ذلك المجلس.

المحطة الثانية : هي إشراف اللجنة العسكرية للخلاص الوطني على قيادة مسلسل ديمقراطي ابتداء من سنة 1986، وهو ما كلل بانتخابات لكامل المؤسسات الديمقراطية ابتدء من إنشاء دستور 20 يوليو 1991 وانتهاء بانتخابات مجلس الشيوخ في ابريل 1992.

وما يزال العمل جاريا بهذا الدستور حتى اليوم، مع بعض التعديلات الجوهرية التي تضمن الشفافية.

المحطة الثالثة: تتجسد في التحرك الذي قامت به القوات المسلحة الموريتانية في الثالث من أغسطس 2005، حيث كانت هذه أهم التجارب وأكثرها نضجا، باعتبار أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام الحريات العامة وأخضعت كل القرارات للتشاور، وتكللت التجربة بانتخابات شفافة لأول مرة في تاريخ البلد، كما كانت هذه التجربة لافتة للنظر في المنطقة والعالم، لأن القائمين على السلطة وهم من ضباط القوات المسلحة الموريتانية، وقادتها تعففوا عن السلطة، وسلموها طواعية لمنتخبين مدنيين، وعادوا بكل شرف واعتزاز لثكناتهم لاستئناف دورهم الطبيعي في حماية المجتمع، والدفاع عن وحدته، بعد أن وضعوا قطاره على السكة الصحيحة.

ويمكن أن نستنتج من هذه المحطات البارزة عدة أمور من أهمها:

- أن استيلاء القوات المسلحة الموريتانية كمؤسسة على السلطة إنما تم في محطات حرجة من تاريخ موريتانيا، حيث يصبح البلد مهددا في كيانه، ويكون مصيره الحتمي هو التفكك والتلاشي.

- ان كل تدخل من هذه المؤسسة يصاحبه عمل جاد لإعادة الأمور إلى طبيعتها، بالعمل على محو آثار الدكتاتوريات والمنازع الفردية، وإقامة صورة مثلى للتوافق الجمعي، وتصالح البلد مع ذاته.

- إن قادة المؤسسة العسكرية وضباطها وجنودها يستشعرون المسؤولية في كل مرة، ويقومون بالتغيير، ويحتضن المجتمع تدخلهم لأنه جاء في الوقت المناسب. إن التذكير بهذه المعطيات والحقائق أمر ضروري لتفهم الأجيال الجديدة التي لم تعايش تلك المرحلة الحرجة من تاريخ البلد أن القوات المسلحة الموريتانية ليست لها أطماع في تولي السلطة، وإنما ظلت تتدخل حين يصبح البلد في خطر.

- إن المؤسسة العسكرية الموريتانية هي مؤسسة دولة القانون، والتعددية السياسية، وتحمي دستور الجمهورية الأسلامية الموريتانية الذى يقر هذه التعددية بإجماع من كافة الموريتانيين، وهذا ما برهنت عليه في أكثر من محطة.

- إن على كل ضابط وضابط صف وجندي في مؤسستنا العسكرية العتيدة أن يفخر بأنه ضحى ويضحي من أجل وطنه، وأن المجتمع قد منحه الشرف الرفيع حين علق على صدره هذا الوسام الذى لايمنح مجانا، ولا يلتقط على قارعة الطريق.


الكاتب محمد الأمين ولد أحظانا

التاريخ 2008/3/01


خميس, 02/08/2012 - 14:13

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك