الوطنية والديمقراطية

إن التغيير المأمول في بلادنا مطلب ملح للخروج من الأزمة العميقة التي عرفناها خلال الفترة الماضية. والعمل من أجل هذا التغيير يتطلب سعيا وصبرا على مستوى التحدي، ويتخذ أشكالا عديدة لعل من أهمها نشر المعرفة بين الناس وترسيخ الثقافة السياسية والاجتماعية على أشمل صعيد. فالبحث في مفاهيم الوطنية والديمقراطية من أجل تقريبها للناس ومن أجل وضع مفهوم سياسي في متناول اليد، قد يساهم بشكل مباشر في إقرار ثقافة المشاركة والتسامح والحرية على قاعدة الوطن للجميع وكل أبنائه مواطنون لهم حقوقهم الثابتة ويمارسون السلطة بحرية وديمقراطية، وينعمون بالثروة بحسب أدائهم وجهدهم.

إن احتكار السياسة و الاقتصاد الذي ترسخ كثيرا في المجتمع الموريتاني بفعل إنتاج مبدأ الزبونية، يبدو نذيرا بسلسلة من الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المستعصية، كما أن انتهاج أسلوب الانفراد في القرار والاستئثار بثروة الوطن ومقدرات الشعب يعد السبب الأول للتخلف البنيوي والضعف والتأزم الداخلي والخارجي. والاعتقاد بأن الأوضاع ستتغير بنفس الأساليب السابقة إنما هو وهم هدفه الاستئثار بالقرار والثروة.

فالوطنية والديمقراطية ليست مجرد شعارات جوفاء تطلق في كل مناسبة كما يظن بعض السياسيين أو يخيلون للناس، وإنما هي مطالبة ذات أهمية بالغة يرتكز عليها مستقبل أجيال وأجيال، فالحل في البدء لن يتأتى له أن يكون إلا بالتغيير السياسي النبيل والإصلاح الشامل من منطلق ديمقراطي ووطنية لا تفرغ هذه المفاهيم من معانيها ولا تعلبها ضمن إضافات أو ارتباطات تلغي فاعليتها.

إننا بحاجة ماسة بعد تجريب النظام الشمولي لأكثر من عقود للتخلص من التنظيرات والممارسات السياسية التي تستحق أن تعطى أرفع أوسمة الفشل وأعلى التقديرات في مستويات الهدر والتفرقة.

إن الديمقراطية في الحقيقة ما هي إلا تبني نظام سياسي مقيد يعتبر مجالات عمل الدولة مرتبطة بالحريات الفردية والحريات العامة. وفي هذا النظام تكون السيادة الحقيقية على آليات وأنظمة الحكم للشعب المتكون من كل المواطنين ويكون الشعب هو المرجعية النهائية للحكم ويمارس المواطنون السلطة بالانتخابات الشرعية المراقبة محليا ودوليا، والمواطنون بعد مشاركتهم في مشاريع انتخابية حقيقية يخوضها مرشحون وفقا لقانون يضمن لهم المساواة في الفرص يتابعون عملية المراقبة والمساءلة والمحاسبة.

ويرتكز النظام الديمقراطي على مجموعة من المبادئ والقيم والحقوق، جوهرها وعصبها الحرية والمساواة وسيادة الشعب وتداول السلطة بين أفراد وجماعات وأحزاب الوطن، واعتبار الفرد قيمة بحد ذاته، وجدت الدولة من أجل الحفاظ على حقوقه المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. كما يؤكد هذا النظام على مبدأ فصل السلطات كضمانة وحماية للمسعى الديمقراطي وحريات وحقوق الفرد والجماعات التي تكون النسيج الوطني.

إن الأنظمة الشمولية اللاديمقراطية التي تعتبر نفسها منقذة وضرورية لم تنتج إلا دمار المجتمع والقضاء على روح المواطنة وترسيخ ثقافة الاستبداد والظلم، وظهرت تيارات تعتبر الديمقراطية وهما وشعارا أجوفا، حيك مكرا وخديعة لإبعاد اهتمامنا عن قضايانا الكبرى وأعدائنا الحقيقيين. والذي يحمي الوطن من الرؤية الفردية والأيديولوجية لمفهومها الانغلاقي أو التوهمي هو إشاعة ثقافة الديمقراطية.

كما أن عدم ربط الديمقراطية بالوطنية يفرغها من مفهومها الفعال والإيجابي ويحصرها في غريزة حب الداخل وأعداء الخارج مما يبرر وجود الحاكم الوطني الذي يحارب الديمقراطية ويسعى إلي توريث الحكم لأحد أفراد أسرته بدون إشراك الشعب أو وفق تمثيليات انتخابية صورية وتعديلات دستورية فورية، كما أن الإنفراد بالوطنية بمفاهيمها الطبيعية ينشئ أجيالا تفضل نظام الاستبداد والفساد وتسعى لبقائه بل وتدفع حياتها ثمنا لاستمراره بحجة تفضيل الداخل على الخارج.


الدكتور يحيى ولد البراء

مجلة "أخبار الجيش" العدد 2

التاريخ 2007/11/01

خميس, 02/08/2012 - 13:50

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك