
يرجع تاريخ مدينة القدس إلى ما يقارب أربعة آلاف سنة، أي العصر النحاسي كما تثبت الروايات التاريخية، وقد مرت بعدة مراحل حاسمة جسدتها الشرائع السماوية التي احتضنتها المدينة عبر تاريخها، ونالت المدينة اسمها "أورساليم" من لفظ السلام، ثم حُرِّف الاسم لاحقا ليصبح "أورشاليم"، ورأت القدس النور على يد ملكي صادق الملك اليبوسي الكنعاني العربي، الملك العادل الذي اشتهر بنبذ الحروب وحب السلام، وفي عهده عرفت المدينة بدايات ازدهارها.
تتوسط القدس مدن فلسطين، وتقع على جبل مستدير بين جبال الخليل ونابلس في منطقة متميزة أعطت للمدينة بعدها الاقتصادي والديمغرافي إضافة لمكانتها الدينية الخالدة، ظلت القدس قلعة علمية شامخة تشع بنور الحضارة في فضائها الشامي والعربي ذو الامتداد الإسلامي، وخضعت لعدة ملكيات سياسية بدءا من اليبوسيين الذين هم أهل المدينة وبُناتها، ثم بعد ذلك تتالت عليها غزوات الحثيين ثم الفراعنة والإغريق والرومان إلى غاية الفتح الإسلامي.
وقد دخلت مدينة القدس ظل الخلافة الإسلامية عام 16هـ/636 أيام الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي استلم مفاتيح القدس من بطريارك بيت المقدس وذلك على إثر أحداث معركة اليرموك التي انتصر فيها الجيش الإسلامي على الرومان في الشام.
استوطن الكنعانيون القدس وشيدوا فيها حضارة استمرت ما يقارب ثلاثة آلاف سنة، ثم آلت من بعدهم لنبي الله داود عليه السلام الذي انتزعها عنوة وجعلها قاعدة ملكه، وفي عهد داود وابنه سليمان عليهما السلام، عرفت القدس باسم "مدينة داود" وتعد الفترة السابقة أول حكم اليهود في المدينة.
نظرا لقدسية المدينة وأهميتها الاستراتيجية في منطقة الهلال الخصيب، ظلت بؤرة صراع تتنازعها الأنظمة السياسيىة المهيمنة في محيطها الجغرافي، وحتى تلك البعيدة عن حدودها طمحت إلى بسط النفوذ عليها مما أعطى للمدينة تاريخا حافلا، تشكل عبر مراحل زمنية متعاقبة.
أولا: القدس ما قبل الاسلام
مرت مدينة القدس منذ تأسيسها بعدة مراحل حاسمة رسمت كل منها حضارة أو سلطة سياسية كانت في فترة من الفترات تمسك بزمام المدينة وتوجه مسارها.
وقد تعاقب على سدة الحكم في القدس الكثير من السلط السياسية سواء تلك المحلية التي أسسها مواطنو المدينة والسكان الأصليون بها، أو سلط هي في الأصل لأمم غازية بسطت نفوذها على القدس لتكون جزءا لا يتجزأ من إمبراطورياتها الطامحة للسيطرة على منطقة الشام، بما فيها الأرض المقدسة.
1- القدس تحت حكم أنظمة محلية
إن أقدم حضارة عرفتها القدس هي الحضارة اليبوسية الكنعانية التي بسطت نفوذها على سواحل الشام في عصور ما قبل الميلاد، وازدهرت حضارتها لتشكل أهم أحداث التاريخ القديم لمنطقة الهلال الخصيب بما فيها القدس.
الكنعانيون والقدس
استوطنت القبائل الكنعانية ذات الأصل العربي سواحل الشام بما في ذلك فلسطين واستقرت بصفة خاصة بمنطقة القدس وأحوازها، ويمكن اعتبار هذه المجموعة القبيلة الأرستقراطية هي التي كانت تتزعم بني كنعان في تلك الفترة، ويرى بعض المؤرخين أن بدايات الحضارة اليبوسية كانت في العصر النحاسي، ويحدد الباحث العراقي الماجدي العصر الحجري النحاسي الكالكوليت بالفترة الممتدة مابين (5000 ـ 33000 ق.م) والمؤكد أن عصور ما قبل التاريخ انتهت مع ظهور الكتابة الهيروغليفية عام 3200 ق.م أي نهايات الألف الرابعة قبل الميلاد.
ترك اليبوسيون بصمتهم واضحة على القدس عن طريق بناء أسوار وحصون تحيط بالمدينة، إضافة إلى بعض الآثار المعمارية كالمعابد والتماثيل والأصنام التي عكست ثقافة القدس ومعتقدات أهلها في تلك الفترة.
استمر حكم اليبوسيين للقدس مدينة السلام في عهدهم إلى أن تتالت عليها هجرات قبائل كنعانية أخرى، تبحث عن موطئ قدم في الأرض المقدسة قادمة من الشام وبلاد العراق، الأمر الذي يؤكد أن سواحل الشام ظلت موطنا للكنعانيين، وتشهد مدن عكا وصيدا واجبير وأوغاريت على قيام حضارة كنعانية مزدهرة، تجسدت في نظام مدينة الدولة الذي انتشر في مدن الشام بصفة خاصة.
أطلق الكنعانيون على القدس اسم "أورساليم" وهو مشتق من اسم الإله "سالم" أو الملك سالم ملك القدس وسيعرف هذا الاسم مدلوله الأوسع حين تتبناه أمم وشعوب ستحكم هي الأخرى مدينة القدس في فترات لاحقة، وعرفت المدينة في هذا العهد توسعا كبيرا وبلغت أوج ازدهارها الاقتصادي وارتبطت بعلاقات تجارية هامة مع مدن الشام وفراعنة مصر وبلاد العراق.
اهتم الكنعانيون بالناحية العمرانية فبنوا الأسوار والحصون وشيدوا المدن، كما حفروا الانفاق لنقل المياه من منابعها إلى داخل المدن كنفق يبوس الذي ينقل المياه من نبع جيحون إلى داخل القدس ونبع روجل المعروف اليوم ببئر أيوب.
وفي غفلة من الكنعانيين تسللت حشود العبرانيين المتدفقة من مصر إلى حدود القدس، وحاول يوشع بن نون عليه السلام دخول بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة بعد تيههم في سيناء أربعين عاما، لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة على المدينة إلا في عهد نبي الله داود عليه السلام.
القدس في عهد نبي الله داود بن يسى عليه السلام
في أحداث تاريخية سجلتها آيات القرآن الكريم خرج داود عليه السلام في جيش طالوت المتجه إلى الأرض المقدسة، وتحفيزا من الملك طالوت لجنوده على القتال جعل مكافأة لمن يقتل الملك الكنعاني جالوت فكانت من نصيب نبي الله داود بن يسى عليه السلام، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ [ البقرة: 251].
وقد تمكن الجيش الغازي من السيطرة على مدينة القدس، لتكون موطنا جديدا لفلول بني إسرائيل الوافدة توا على المنطقة، وبموت طالوت أصبح داود عليه السلام ملكا على القدس وذلك في حدود عام 1000 ق.م، جعل نبي الله داود المدينة المقدسة قاعدة ملكه وقام بتغير اسمها من "أورشاليم" إلى "مدينة داود".
جمع الله لداود عليه السلام الملك والنبوءة، فتمكن من إرساء دعائم دولة قوية بسطت نفوذها على معظم أراضي فلسطين والطرق التجارية الواصلة بين مدن الشام ومصر، فكان ملكه ملكا عظيما بني على العدل والحكمة، مكث داود عليه السلام على رأس القدس قرابة ثلاثين عاما حتى وفاته حدود عام 970 ق.م.
خلف داود ابنه سليمان عليهما السلام على رأس القدس، وتصور آيات القرآن الكريم تلك الأحداث في قول الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾ [ النمل: 16].
قام سليمان عليه السلام بعدة فتوحات كبيرة حتى شمل ملكه كل ممالك كنعان إلى الأردن، مسيطرا على الطرق التجارية الرابطة بين أطراف المنطقة إلى حدود مصر، اتسمت علاقات أورشاليم بفراعنة مصر في عهد نبي الله سليمان بالتقارب وتبادل المصالح، نتيجة مصاهرة سليمان لفرعون مصر اسيآمون أحد ملوك الأسرة 22 أوابنه شيشنق، وتنازل الفرعون لابنته وزوجها عن كل أملاكه من أرض فلسطين في الحدود الشمالية الشرقية لمصر.
انتهج نبي الله سليمان سياسة عادلة في حكمه ووحد مملكتي يهوذا وإسرائيل، لكن مملكة سليمان عليه السلام ستعود إلى الانقسام مباشرة بعد وفاته حوالي 930 ق.م، ويمكن القول إن مملكة يهوذا تركزت حول القدس وأحوازها، أما مملكة إسرائيل فقد اتخذت من شكيم (نابلس)عاصمة لها.
وبصفة عامة، دام حكم داود وابنه سليمان عليهما السلام للقدس حوالي سبعين سنة أو تزيد، وبانتهاء عهد الأنبياء بدأت القدس تدخل في اهتمامات الأمم والإمبراطوريات المجاورة لمنطقة الشام، مما أسهم في هيمنة تلك الأنظمة الغازية على مجال المدينة ومقدساتها.
2- القدس والغزو الأجنبي
اهتمت الانظمة السياسية في مصر والعراق بمدن فلسطين، بما فيها القدس نظرا لعدة اعتبارات دينية واقتصادية، وكان الفراعنة والحثيون بوصفهم أكبر امبراطوريتين تحيطان بأرض فلسطين أسرع الأمم الغازية وصولا للمنطقة، وفي هذا السياق خضعت القدس للنفوذ الفرعوني في القرن 14 ق.م، وتؤكد رسائل تل العمارنة إلى أن حكام القدس كانوا تحت وصاية فراعنة مصر خلال القرن السابق، وأثبتت بعض تلك الرسائل المرسلة من حاكم كنعاني للقدس يدعى عبدي خبا إلى الفرعون المصري أمنحتب الرابع (أخناتون 1350 ـ 1334 ق.م) إعلانا صريحا بخضوع حاكم القدس للبلاط المصري.
الحثيون أيضا كانت لهم أطماع في القدس بل وفي بلاد فلسطين عموما، فنتيجة للصراعات التي كانت دائرة بين القدس وجاراتها من مدن فلسطين كشكيم وغزة، تشكلت تحالفات بين بعض تلك المدن مع ممالك مجاورة، هذا فضلا عن الحضور الفرعوني المنافس للحثيين مما حدا بالأخيرين إلى السعي لبسط نفوذهم على المدينة والاستفادة من الحركة الاقتصادية الدائرة في المنطقة، لكن حكام الأسرة 19 تمكنوا من صد الغزو الحثي الذي انتهى كليا مع انهيار الإمبراطورية الحثية عام 1190 ق.م على يد شعوب البحر.
ونورد هنا ملاحظة مهمة مفادها أن الصراع الذي نشب بين مصر الفرعونية والحثيين على مدن فلسطين، كان السبب الأهم لتوقيع أول اتفاقية في التاريخ وهي المعروفة باتفاقية قادش، وقد تم توقيعها في العاصمة الحثية عام 1258ق.م بين الفرعون المصري والإمبراطور الحثي.
وبالعودة إلى الموقف الفرعوني من أورشاليم، نذكر أن المصريين أعادوا الكرة على المدينة وهجم الفرعون سوسنق أول فراعنة الأسرة 21 على القدس عام 925 ق.م وحاصر المدينة وعاث فيها فسادا وغنم سبايا وأموالا كثيرة وكاد أن يدخل بيت المقدس لولا أن رحبعام بن نبي الله سليمان صده عن الحرم المقدس بجزية كبيرة من كنوز داود وسليمان، حالت دون استباحة الفرعون لمحراب الأنبياء.
ظل الخطر الأجنبي ماثلا على القدس بعد الإمبراطوريتين المصرية والحثية، وتجسد ذلك في حملات قادها البابليون ثم الفرس والإغريق وأخيرا الرومان، حيث قام ملك بابل بغزو القدس محطما لجل معالمها ومبيدا لآلاف البشر من سكانها واليهود منهم حسرا، وجاءت حملة ملك بابل نبوخذ نصر الثاني أو شلمنصر كما يدعوه الحميري سنة 586ق. م لتكون بداية الاحتلال الفعلي وأول غزو مدمر لمعالم القدس العمرانية والمدنية.
تتالت على القدس هجمات المحتلين الواحدة تلو الأخرى، فبعد البابليين قاد الفرس حملة عنيفة طردت البابليين وخلصت المدينة من ظلمهم ليكون الفرس أصحاب النفوذ الجدد، وما لبث الفرس كثيرا حتى ظهر الإسكندر المقدوني كحاكم جديد للمنطقة، بعد أن دك أرض فارس وهزم ملك الفرس داريوس إثر انتصار ساحق عليه في معركة غوغميلا (جوجميلا) الفاصلة في 1 اكتوبر سنة 331 ق.م.
وبموجب هذا الانتصار احتل الإسكندر فارس والشام ومصر والمنطقة برمتها، وجعل قادته الثلاثة بطليموس، انتيجونيوس، وسلقوس يتقاسمون حكمها فوقعت الشام بما فيها فلسطين تحت حكم السلوقيين في سوريا، وستستمر سلطتهم قائمة هناك حتى ظهور الرومان على مسرح الأحداث في بلاد الشام.
الرومان بدورهم اندفعوا كغزاة جدد إلى الشام وحاربوا السلوقيين والبطالمة وبسطوا نفوذهم الكامل على المنطقة ابتداء من سنة 30 ق.م، ومع ظهور المسيحية حظيت القدس باهتمام كبير من لدن الرومان لكونها مهد المسيح عليه السلام ومحل المقدسات المتعلقة بديانته، وذلك أن أباطرة رومان اعتنقوا المسيحية بعد أن أقرها قسطنطين الأول الديانة الرسمية للإمبراطورية إثر مرسوم ميلانو عام 313م.
ومما زاد من قيمة القدس سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476م على يد القوط الغربيين لتصبح بيت المقدس العاصمة الدينية للإمبراطورية الرومانية الشرقية والراعي لشؤون الديانة المسيحية فيها، وظلت القدس تحت سلطة الرومان إلى أن سلمت مفاتيحها إلى الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد انتصار المسلمين على جنود هرقل في معركة اليرموك.
ثانيا: القدس في ظل الخلافة الإسلامية
دخلت القدس في ظل الخلافة الإسلامية أيام حكم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد هيأت لذلك جملة من العوامل أدت في النهاية إلى أن صارت القدس الكنعانية العربية مدينة إسلامية بعد قرون من التهويد والتنصير.
فتح القدس
كانت غزوة مؤتة أول اتصال للمسلمين بالشام، ورغم أن الجيش المسلم لم يتمكن من فتح الشام حينها إلا أن أحداث المعركة تركت للمسلمين هيبة ورعبا في نفوس الروم، أدت في الأخير إلى جلائهم عن المدينة المقدسة وأسلمة ساكنتها، لتكون بذلك مدينة عربية إسلامية طوال القرون الأربعة عشراللاحة.
المسلمون في بيت المقدس
بدأت أحداث مؤتة على إثر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا من ثلاثة آلاف لغزو الروم، يقوده رجال من عظام الصحابة هم زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضوان الله عليهم، وقد استشهد أمراء الجيش مع بضعة عشر رجلا، ولكن خالد بن الوليد استلم القيادة ووضع خطة تكتيكية أفزعت الروم وحلفاءهم، وفروا من الميدان لينسحب المسلمون بأقل الخسائر بعد ما كاد جيش العدو البالغ مائة ألف أو تزيد أن يبتلعهم.
كما أن أسامة بن زيد رضي الله عنه أيضا خرج بجيش كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهزه للالتحاق بجيش مؤتة، لكن الجيش لم ينطلق لظروف مرضه صلى الله عليه وسلم إلا بعد وفاته، فأمر أبوبكر الصديق رضي الله عنه الجيش بتنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فسار أسامة رضي الله عنه بجنده سنة 11هـ/632 باتجاه الشام.
حاول المسلمون مرة أخرى مع الشام، وأرسل الخليفة الصديق جيوشا لدك حصون الروم ونصارى العرب من أهل الشام، وكانت اجنادين تحديدا بأرض فلسطين من أهم معاقل الروم التي نازلها المسلمون، وقد وقعت أحداث المعركة قرب مدينة الرملة الفلسطينية سنة 13هـ/634 وفيها انتصر المسلمون بقيادة عمرو بن العاص وخالد بن الوليد أواخر أيام الصديق رضي الله عنه، وبذلك صارت تلك المنطقة ضمن نفوذ المسلمين وفي إيالتهم.
وجاءت معركة اليرموك لتكون الخط الفاصل في احتكاك المسلمين بنصارى الشام من روم وعرب، فقد خرجت جيوش الإسلام من شبه الجزيرة العربية تؤم الشام في عدد يقارب 36 ألف مقاتل تحت إمرة قادة عدة، وتوزعت بينهم المهام لضمان النتيجة المتمثلة في القضاء على وجود الروم في أرض الشام، وتحرير بيت المقدس بشكل نهائي من قبضة الروم وأعوانهم.
حاصر جيش زياد بن أبيه أو يزيد بن أبي سفيان بيت المقدس وشدد الحصار عليها حتى طلب أهلها الصلح، فكتب أبوعبيدة ـ الذي التحق بيزيد ـ إلى بطاركة القدس كتابا يخيرهم فيه بين الإسلام والجزية فاختاروا أن يصالحوه على الجزية، ولكن شريطة أن ينالوا العهد من خليفة المسلمين فأرسل أبوعبيدة لعمر رضي الله عنه ليحضر بنفسه، فقدم الفاروق ملبيا نداء قادته ووقع العهود وأعطى رضي الله عنه الأمان لأهالي القدس واستلم مفاتيحها من سفرنيوس كبير بطاركة بيت المقدس، وأقام عمر رضي الله عنه في بيت المقدس عشرة أيام واستعمل عليها زياد بن أبيه واليا وجعل سلامة بن قيصر إماما للصلاة، ثم غادر الشام عائدا إلى المدينة.
حققت انتصارات اليرموك بقيادة أبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد مكسبا كبيرا للخلافة الإسلامية، إذ ضمت اليرموك الشام ككل بما فيها فلسطين إلى الحكم الإسلامي، فقد خرج الروم من الشام إلى غير رجعة بتأكيد من قيصرهم هرقل وإلى ذلك أشار القلقشيدي في قوله : "وبقي هرقل إلى أن فتح المسلمون الشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما غلب المسلمون على أكثر بلاد الشام خرج إلى الرٌها ثم علا على نشز من الأرض والتفت إلى الشام وقال السلام عليك يا سوريا سلام لا اجتماع بعده أبدا ولا يعود إليك رومي بعدها إلا خائفا ".
وكما أشرنا سابقا، فقد دخلت القدس في نطاق الدولة الإسلامية كباقي فلسطين عام 636 م ولا تزال حتى الآن دولة إسلامية عاصمتها القدس بإذن الله وخلال أربعة عشر قرنا مضت كانت القدس المدينة المقدسة عند المسلمين إذ تشتمل على المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول صلى الله عليه وسلم.
يتواصل
-----------------------
الدكتورة مريم باب الدين
أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر
بالمدرسة العليا للتعليم