لنخلد شهداءنا
احتضنت قاعة المتحف الوطني مساء الأربعاء 25 نوفمبر 2009 فعاليات الندوة السنوية التي نظمتها الرابطة الوطنية لخليد بطولات القاومة ضد الاستعمار , وذلك في غمرة الاحتفال بالذكرى التاسعة والأربعين لعيد الاستقلال الوطني . وقد افتتح الندوة الأستاذ سعد بوه ولد محمد المصطفى رئيس الرابطة , حيث أشاد بحقبة المقاومة المجيدة , رغم الاهمال الذي تعرضت له على المستويين الرسمي والأكاديمي .
واشار إلى أنه من الضروري إعادة الاعتبار إلى رموز مقاومتنا الوطنية حتى نكون أمة واعية بتاريخها البطولي , ونخلق جيلا يعيش في زمن متواصل يربط الماضي بالحاضر , وهو الهدف – يضيف الأستاذ سعد بوه – الذي من أجله تأسست الرابطة الوطنية لتخليد بطولات القاومة بتاريخ 29 نوفمبر 2007 .
أما مستشار وزير الثقافة والشباب والرياضة المكلف بالثقافة السيد محمد ولد احظان فقد نوه بالمبادرة وأعتبر ان المقاومة الوطنية كانت حقبة متميزة ليس فقط على المستوى الوطني ولكن علي مستوى الكفاح العالمي عموما فقد كانت مقاومة عسكرية وثقافية شرسة وطويلة تكبد خلالها المستعمر الكثير من الخسائر .
وقد انعشت الأمسية عدة عروض قيمة كان أهمها عرض بعنوان نحو مقاربة جديدة في كتابة تاريخ المقاومة الموريتانية *- العمليات العسكرية نموذجا قدمه الدكتور محمد المختار ولد سيدي محمد رئيس قسم التاريخ والحضارة بكلية الآداب بجامعة نواكشوط وقد أشار في هذا البحث الذي أراده اثارة لموضوع المقاومة الوطنية إلى أن الموريتانيين على الرغم من ضعف الوسائل وتواضع الامكانات وغياب قيادة موحدة وثابتة ورغم قوة الخصم وتاثير حلفائه المحليين، قد قاوموا الاحتلال الفرنسي بثبات وتفان شهد به القادة العسكريون والكتاب الفرنسيون فهذا غورو يقول. ليس باستطاعة من لم يرى البيظان يقاتلون أن يدرك مدى بسالتهم إنهم لايملكون من السلاح الا بنادقهم العتيقة ورصاصها والخناجر تراهم يختفون خلف أبسط حاجز يطلقون الرصاص ويغيرون مواقعهم تماما كما تفعل الوحوش ومن جانبه يقول دشاسي ... أنه اذا كانت فرنسا قد استطاعت اثبات حقوقها في هذه المنطقة (يعني موريتانيا ) في مواجهة دول عظمى خلال بضع سنوات فإن فرض ذلك علي هذا الشعب البدوي قد اقتضى ثلاثين سنة
وعلي الجبهة الثقافية مثلت مقاطعة المدرسة الاستعمارية رغم ما أنجز عنها من تبعات سلاحا آخر من أسلحة المقاومة ربما كان أصدق أنباء من السيف فكانت المحظرة والزاوية والمسجد دروعا واقية وصمامات امان للهوية العربية الاسلامية ولقيم المجتمع وموروثه الحضارى وبكل مظاهره وتجلياته ولعل مصداق هذا الحكم ما شهد به الحاكم الفرنسي العام في غرب افريقيا في رسالة له إلى وزير المستعمرات يقول فيها لقد وجدنا أمامنا شعبا يملك ماضيا مليئا بالأمجاد والفتوح مازالت عالقة في أذهانه ... وإلى ذلك أشار الاداري الفرنسي بيري في تقرير سري في 20 أغسطس سنة 1937 حين قال في سياق لا يخلو من المبالغة انه لايوجد مجتمع بدوي يبلغ مبلغ الموريتانيين في العلم بالعقيدة والأدب والفقه وأنهم لايتحدثون العربية الفصحي أحسن مما يتحدث بها سكان تونس والقاهرة ولا تكاد تجد بينهم راعي إبل من ابسط الرعاة إلا ويترنم بالشعر الجاهلي
وفي ختام مداخلته أورد الدكتور محمد المختار ولد سيد محمد جملة من التوصيات التي يؤكد على أهميتها في سبيل مقاربة جديدة في كتابة المقاومة الوطنية وهي
بناء ذاكرة وطنية تعتز بالرموز والثوابت الحضارية تعكسها المقررات المدرسية والجامعية وتنال حيزا مهما في وسائل الاعلام الرسمية والحرة .
-العناية برجال المقاومة وتخليد مآثرهم ضمن رؤية وطنية تتجاوز المحابس القبلية والعرقية والجهوية ودروس المناقب وصولا الي المطالبة بإقرار قانون الخدمة الالزامية تأكيدا لمفهوم الدولة واحتراما لسيادتها وترسيخا لقيم المواطنة والوعي المدني .
التفكير في انشاء مؤسسة وطنية لتاريخ المقاومة يعهد اليها بجمع وتركيب ونقد هذا التاريخ وتسند وصايتها لقطاعي التعليم والثقافة تناط بها مهمة بناء معرفة تاريخية جادة تنطلق من نقد ما تنتجه الذات عن نفسها وما ينتجه الآخر عنها .
العناية بوثائق المقاومة باعتبارها ذاكرة أمة وانتشالها من أيدي الاداريين وإلحاقها بمؤسسات البحث العلمي وإسترجاع ما هو موجود منها في الأرشيفات الأجنبية
تعليب الكتب المصدرية المتعلقة بتاريخ الاستعمار والمقاومة ونشر الأطروحات التي عالجت هذا الموضوع ليعم نفعها .
-تنسيق جهود المؤسسات المهتمة بحقل الدراسات التاريخية قسم التاريخ – مخبر الدراسات التاريخية – الجمعية التاريخية الموريتانية –جمعية التاريخ العسكري – المعهد الموريتاني للبحث العلمي تسهيل وصول الدارسين إلى مظان المصادر الوثائقية واعتماد أساليب البحث الجماعي الذي تتضافر فيه جهود مختلف الاختصاصات المتجاورة والمترابطة .
-توسيع مدارك الأجيال الجديدة من الباحثين في ميدان التاريخ بتدريس اللغات وعلم التوثيق والآليات والضوابط العلمية الضرورية للكتابة التاريخية
بعد ذلك تناول الكلام الدكتور محمد ولد بوعليب حيث أشار الي أن تاريخ الاستعمار بدأ في هذه البلاد في القرن التاسع عشر مع البرتقاليين أما التغلغل الفرنسي فهو مرحلة من هذا المد الاستعماري الذي شمل أغلب بلدان العالم .
تلا ذلك عرض الأستاذ الطالب اخيار ولد مامين الذى قدم عرضا مفصلا لوقائع وأحداث المقاومة العسكرية منذ 1903 الي 1934 وأكد من خلال عرضه ضرورة توخي الموضوعية والنزاهة فى تقديم الوقائع التاريخية .
وتعرض الباحث التقي ولد الشيخ للمقاومة الثقافية التى أعتبر أنها رافقت المقاومة العسكرية وتمثلت فى هجرة العلماء عن المحتل الفرنسي الى زاوية المجاهد الكبير الشيخ ماء العينين وأيضا مقاطعة المدارس الأجنبية والإبداع الأدبي الفصيح والشعبي الذي يحرض الموريتانيين على مواجهة المحتل الأجنبي .
أما الدكتور محمدن ولد أمين فقد قدم تعقيبا ذكر فيه بضرورة تصحيح بعض الأطروحات المتداولة حول دخول الاستعمار إلى الأراضي الموريتانية , حيث أكد أن الظروف السياسية آنذاك شجعت على السيطرة الاستعمارية على البلاد
وفي الأخير , فتح المجال لمداخلات الحضور وكان أولهم الأستاذ محمد عدنان ولد بيروك مدير الثقافة الذى طرح عدة أسئلة واستشكالات تتعلق بحقبة المقاومة وأيضا السفير المحجوب ولد بيه , والباحث السالك ولد محمد المصطفى , والأستاذ الجامعي محمدو ولد محمد ولد محمد المختار , والصحفي سيد ولد ملاي الزين والشاعر محمد ولد حمان
ونشير إلى أن اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين قد مثل في الندوة من طرف مسؤول النشاط الثقافي الدكتور محمد الحسن ولد محمد المصطفى