المواطنة والوحدة الوطنية: أية علاقة؟

المواطنة نسبة إلى الوطن، وهو المكان الذي يولد فيه الإنسان ويتخذ منه موطنا ومسكنا، أو ينتقل إليه بعد ولادته، ويجعله مقرا لسكناه. وقد يتسع معنى المواطنة ليشمل التعلق بالبلد والشعور بالإنتماء إليه، فكريا وروحيا وثقافيا وحضاريا.

وتترجم المواطنة من الناحية القانونية بالجنسية، التي هي عبارة عن رابطة قانونية وروحية وسياسية تربط الفرد بالدولة وتجعله تابعا لها، وترتب له حقوقا على الدولة وواجبات لصالحها. وبعبارة أخرى، فالمواطنة عبارة عن تفاعل بين المواطن والوطن الذي ينتمي إليه ويعيش فيه، وهي علاقة تفاعل لأنها ترتب للطرفين حقوقا وتحملهما واجبات. ولابد لقيام المواطنة أن يكون انتماء المواطن وولائه كاملين للوطن، يحترم هويته ويؤمن بها ويدافع عن عناصرها: من ثوابت اللغة والتاريخ والقيم والآداب العامة. كما يدافع عن الأرض التي تمثل وعاء للهوية والمواطنين على حد السواء. ونتيجة لذلك، فإن ولاء المواطن لوطنه يستلزم البراء من أعداء هذا الوطن وعدم موالاتهم لأن موالاة أعداء الوطن فيها خطر كبير، ولذلك يعد خيانة عظمى، تعاقب عليها التشريعات بعقوبات قد تصل حد الإعدام.

وفي مقابل هذه الواجبات يكون للمواطن على وطنه حقوقا، منها ضمان الحرية والمساواة في تكافؤ الفرص، وعدم التمييز ضده في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بسبب لونه وطبقته أو معتقده، مع تحقيق التكافل الاجتماعي الذي يجعل الأمة جسدا واحدا والشعب كيانا مترابطا.

وإذا كان التطور الحضاري الغربي لم يعرف المواطنة وحقوقها إلا بعد الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر بسبب التمييز على أساس الدين بين الكاثوليك ولبروتستانت وعلى أساس العرق بسبب الحروب بين القوميات وعلى أساس الجنس بسبب التمييز ضد النساء، وعلى أساس اللون بسبب التمييز ضد الملونين، فإن المواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق والواجبات قد اقترنت بظهور الإسلام وتأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة السنة الأولى هجرية على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وتحت قيادته.

وترتبط فكرة المواطنة بفكرة الدولة بعناصرها الثلاثة المعروفة (الشعب، الإقليم، السلطة الحاكمة)، إذ بدون الدولة يصبح مفهوم الوطن غامضا وغير محدد، وفي إطار الدولة تتقاطع وتلتقي الفكرتان معا: فكرة المواطنة وفكرة الوحدة الوطنية، في هذه الأخيرة أيضا ترتبط بالدولة، ولا يتصور وجودها إلا في نطاقها.

وتعني الوحدة الوطنية وجود رابطة قوية بين مواطني الدولة، وهذه الرابطة يجب أن تقوم على عناصر واضحة يحس بها الجميع ويؤمنون بها ويكونون مستعدين للتضحية دفاعا عنها، فهي عبارة عن صهر العناصر السكانية للدولة في وحدة اجتماعية يعبر عنها بالأمة ومن ثم تنظيمها في إطار نظام سياسي معين.

وقد شكلت مسألة الوحدة الوطنية إشكالية لمعظم الأنظمة السياسية والمجتمعات التي ظهرت كدول قبل أن تصبح أمما، فالكيان السياسي الذي وجدت فيه هذه المجتمعات نفسها بعد الحصول على الاستقلال كان في أغلب الأحيان هو الكيان السياسي الذي رسمه الاستعمار، وكان على هذه المجتمعات أن تعيش فيه حياتها الجديدة وتتكيف معه رغم ضعفه وعدم قناعتها به في معظم الأحيان. ولهذا فقد تمثلت عملية بناء الوحدة الوطنية في سعي الأنظمة السياسية إلى تحقيق الاندماج والتلاحم بين عناصر شعبها، ضمن أطر قانونية وسياسية، وذلك بزج الجماعات المختلفة والمتميزة عن بعضها بخصائص ذاتية، في إطار سياسي واحد، تسيره سلطة مركزية واحدة وفي قوانين واحدة، تغطي كامل مساحة إقليم الدولة وتطبق على جميع سكانه.

وفي مقابل الوحدة الوطنية قد توجد ظاهرة عدم التكامل الوطني، وذلك عندما توجد في المجتمع الواحد قوى وتكوينات اجتماعية متعددة، سلالية أو لغوية أو دينية أو طائفية أو اقتصادية أو اجتماعية أو جغرافية، وهو ما قد يقود إلى عدم الإجماع حول هوية واحدة في المجتمع، وربما تعدد الولاءات، الأمر الذي قد يشكل تهديدا للكيان الاجتماعي السياسي ذاته.

ولا تعتبر ظاهرة التعددية المجتمعية لصيقة بمجتمعات معينة، بل إنها ظاهرة عالمية تعرفها المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء، لكن الفارق بينهما أن اغلب الدول المتقدمة نجحت في إرساء قواعد لحل هذه المشكلة وتحويلها إلى عناصر قوة وثراء، بينما لا تزال بلدان من العالم الثالث متعثرة في هذه المجالات.

وفي الوطن العربي تتعدد أبعاد ظاهرة عدم التكامل الوطني، فهناك التمايز الثقافي واللغوي والديني، والمذهبي والعرقي...إلخ

وبما أن الوحدة الوطنية تمثل قاعدة أساسية للاستقرار السياسي، فإن حسم إشكالية الهوية وتعزيز التجانس والاندماج، يمثلان مقومين أساسيين من مقومات الاستقرار السياسي الذي هو هدف ترمي إلى تحقيقه كل الدول. فماذا يقصد بإشكالية الهوية؟؟

وماذا تعني مسألة الاندماج؟؟

أ ـ إشكالية الهوية

تنطوي مسألة الهوية على معاني رمزية وروحية وحضارية جماعية، تتعلق بعملية خلق الشعور المشترك بين أفراد المجتمع الواحد وتوجيه ولاءاتهم نحو الدولة الوطنية، وليس إلى وحداتهم الاجتماعية الفرعية، عرقية كانت أو دينية أو طائفية، وهو ما يجسد من خلال الإحساس بالمواطنة والإنتماء إلى هوية وطنية موحدة بين أبناء الوطن الواحد.

ب ـ مسألة الاندماج الوطني

ترتبط مسألة الاندماج الوطني السياسي والاجتماعي بدرجة التجانس داخل المجتمع، وتطرح نفسها كهدف أساسي للنخبة السياسية، وذلك لكونها تساهم في خلق التلاحم وحماية الوجود الوطني.

ولا يقصد بالاندماج الوطني الاندماج القسري، وإنما يقصد به خلق آليات تؤدي إلى التلاحم بين الجماعات الإثنية بثقافتها وقيمها وتقاليدها ورموزها والتسليم بأحقية النظام السياسي للدولة بممارسة السلطة عليها بمختلف مكوناتها.

وتحتل مسألة الاندماج أهمية بالغة لسلم اهتمامات أنظمة الحكم، لكونها تؤدي وظيفتين، الأولى سياسية والثانية اجتماعية:

1 ـ الوظيفة السياسية، وتؤدي الأغراض التالية:

ـ صهر الجماعات المختلفة عرقيا ودينيا ولغويا، وتحديد الهوية الوطنية وتدعيم وتعزيز الولاء الوطني.

ـ إقامة سلطة مركزية قادرة على أن تفرض سلطتها واحترامها على الجماعات الموجودة في الدولة

ـ إيجاد حد أدنى من الرضى والاتفاق بين مختلف الجماعات في الدولة حول القيم والأهداف العليا للمجتمع السياسي.

2ـ الوظيفة الاجتماعية، وتحقق الأهداف التالية:

ـ الحد من اللجوء إلى العنف كوسيلة لحل النزاعات.

ـ إقرار صيغة توفيقية لتحديد الصراع والتنافر تقوم على العدالة والمساواة قوامها التوازن بين الإمتيازات والتضحيات.

ـ تطوير أشكال التضامن الوطني اتجاه خلق المجتمع السياسي الموحد والمتلاحم.

وهكذا تشكل المواطنة مقوما أساسيا من مقومات الوحدة الوطنية التي تحقق وحدة الدولة والاندماج الوطني، وتحقق بالتالي الاستقرار السياسي الذي هو شرط أساسي من شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الدكتور: سيدي محمد ولد سيدي أب

مجلة "أخبار الجيش " العدد 28

التاريخ 2010/9/01


ثلاثاء, 07/08/2012 - 12:00

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك