تعد مشكلة النزوح الداخلي من المشكلات التي تؤرق المجتـمع الدولي بصـفة عامة، والدول التي تعاني من هذه الظاهرة بصفة خاصة لما لذلك من تبعات أمنية بالغة، ويعد النازحون من الفئات الأكثر معاناة سواء بسبب الكوارث الطبيعية التي تجبرهم على ترك مواطنهم الأصلية أو نتيجة للحروب الأهليـة والصراعات الداخلية أو انتهاكات حقوق الانسان، خاصة مع الزيادة المطردةفي حجم بؤر الصراعات حول العالم، وكذلك مظاهر تغيرات المناخ وما ينجم عنها من كوارث طبيعية.
وتعتبر منطقـة الساحل الإفريقي إحدى أكثر المناطـق تأثراً بالصـراعات الإثنيـة والعرقية في إفريقـيا، ومن أكـثر المناطـق عرضـة للتغيرات المناخية الحـادة، وتعاني من سهـولة اختراق الحـدود، ومظاهر الهجـرة الموسميـة والبيئـية، كما أنها تعـد من أكثر المناطـق انفتاحـا وتشاركية للحـدود البينـية، وهي من المناطق التي تتحـكم فيها الفواعل غير الدوليـة. وتعرف المنطـقة بتاريخها الطويـل مع الحـركة والهجرة الداخلـية، بل إن التحرك في هذه المنطقة تاريخـياً - وعلى شكل هجرات موسمية – هو وسيلة استراتيجـية للتعامل مـع البيئة القاسيـة، وتنويع سـبل العيش ومواجـهة تحديات تغيرات المـناخ.
فما هي محددات النزوح؟ ومن هو النازح؟ وما هي أهم عوامل النزوح الداخلي في منطقة الساحل الإفريقي؟ وما هي أبرز تداعيات هذا النزوح أمنيا على المنطقة؟ وكيف يمكن مواجهة مثل هذه التحديات؟
ظاهرة النزوح: المفهوم والحدود:
النزوح هو عملية انتقال الأفراد أو الجماعات من أماكن إقامتهم الأصلية إلى مناطق أخرى داخل حدود دولتهم، عادةً نتيجة لأسباب قسرية مثل النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية أو عوامل التدهور البيئي. ويختلف النزوح عن الهجرة بأنه يحدث داخل الحدود الوطنية، حيث يظل النازحون داخليًا ضمن نطاق دولتهم الأم.
ويعرف مصطلح النزوح بأنه "التحركات القسرية للسكان أو التي تحدث نتيجة عنصر الضغط والإجبار، بما في ذلك الخوف من الاضطهاد والخطر على الحياة وانعدام وسائل العيش، سواء بفعل البشر مثل الحروب والنزاعات، أو بفعل الطبيعة، مثل الكوارث الطبيعية أو البيئية كالأعاصير والفيضانات والزلازل".
ومن التعريفات التي حددت مفهوم النازحين هي أنهم "الأفراد أو الجماعات الذين أرغموا أو أكرهوا على الهرب أو على مغادرة منازلهم أو أمـاكن إقامتهم المعتادة، إما نتيجة أو لتجـنب تداعيـات نزاعات مسلحة، أو حـالات عنف منتشـرة، أو انتهـاكات لحقـوق الإنسان، أو كـوارث طبيعـية أو مـن فعـل البشـر ولم يعـبروا الحـدود المعـترف بـها دولـيا".
وإذا ما استعرضنا اهتمام الاتفاقيات الدولية بأحوال النازحين فسنجد أن المبادئ التوجيهية بشأن التشرد الداخلي الصادرة عن الأمم المتحدة لعام 1998 هي الوحيدة التي حددت تعريفا للنزوح الداخلي وذلك كما يلي: "النازحون هم الأشخاص أو مجموعة الأشخاص الذين أجبروا أو اضطروا للفرار أو تركوا منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة سعيا لتفادي أثار النزاع المسلح وحالات العنف العام أو انتهاكات حقوق الإنسان أو لكوارث البشرية أو الطبيعية، والذين لم يعبروا حدود الدولة المعترف بها دوليا".
ووفقا لذلك فإن النزوح يشمل الأفراد أو الجماعات بشكل فردي أو جماعي في حال اضطروا إلى الفرار أو أجبروا على ذلك نتيجة تعرضهم للطرد بالقوة أو إرهابهم وحملهم على مغادرة منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة بسبب النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية أو نتيجة حالات العنف العام الناتجة عن التوترات والاضطرابات الداخلية أو لحدوث الكوارث الطبيعية كالجفاف والفيضانات والزلازل والأعاصير أو نتيجة لإقامة مشاريع التنمية الواسعة النطاق التي تنفذها الدولة كبناء السدود من دون سعي الحكومة إلى إعادة توطينهم أو تعويضهم عن الأضرار التي طالتهم أماكن إقامتهم.
ويتداخل مفهوم النازح مع بعض المفاهيم الأخرى مثل اللاجئ أو المهاجر، وهو ما يقتضي تمييز المفاهيم عن بعضها وتحديد مفهوم "النازح" بشكل خاص؛ فوفقا لاتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بوضع اللاجئين لعام 1951 فإن مفهوم اللاجئ يتحدد في: "كل شخص يوجد بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع أو لا يرغـب بسبب ذلـك الخـوف، أن يستـظل بحـماية ذلك البـلد".
أما النازحون في الداخل فغالبا ما يواجهون مستقبلا ينطوي على قدر أكبر من عدم الأمان، فليست هناك اتفاقيات دولية على وجه التحديد تعالج قضية النازحين داخل أوطانهم، كما توجد صعوبة في غالب الأمر في تطبيق الاتفاقات العامة المتعلقة بحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني، ولا زالت المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية والجهات المانحة تعرض عن التدخل في الصراعات الداخلية ومساعدة هذا القطاع من البشر.
أما المهاجرون فيعرفون بأنهم "أشخاص ينتقلون من محل منشئهم أو إقامتهم ليس بسبب تهديد مباشر بالاضطهاد أو الموت، وإنما بهدف تحسين حياتهم بشكل أساسي من خلال الحصول على العمل أو من أجل التعليم أو لم شمل العائلة أو لأسباب أخرى".
ولا يندرج النزوح ضمن مفـهوم الهجرة الاختياريـة للفرد داخل وطنه أو وفـوده من منطقة إلى أخـرى على الـرغم من تشابه كلا الحالتين في عـدم العبور لحـدود دولة أخـرى، إذ إنه يختلف عن الهجرة في أنه يتم قسرا بلا رغبة واختيار من الفرد أو الجماعة، كما أنه قد يحدث فجأة من دون سابق تدبير، والنزوح قد يكون شاملا وذلك بأن تنزح مجموعات بأكملـها دون أن يحـمل هؤلاء الـنازحون ما يكفيـهم من احتياجـاتهم المـادية والعينـية.
أما الهجرة فإنها تتم عن تفكير وقرار مسبق، وقد تكـون بشكل فردي أو جماعي، وللمرء أن يخـتار ما يحمله مـعه من مستلزمـات، إذ لا يوجد تهديد لحياتـه أو عامـل يضـطره للهـجرة.
النزوح في منطقة الساحل الإفريقي: العوامل والتداعيات
تعرف منطقة الساحل الإفريقي موجة من النزوح الداخلي نتيجة لتداخل عدة عوامل معقدة، من أبرزها النزاعات المسلحة والإرهاب وانعدام الأمن. بالإضافة إلى ذلك، يلعب الفقر المدقع وتغير المناخ دورًا بارزا في هذه الظاهرة، حيث يؤدي الجفاف والتصحر إلى تدهور الزراعة وفقدان سبل العيش، مما يجبر السكان على الانتقال بحثًا عن موارد أساسية مثل الماء والغذاء.
تعتبر منطقة الساحل الإفريقي نقطة الوصل بين المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتكمن الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة في كونها منطقة جغرافية تحتوي على مجموعة من المناطق الحيوية، وتشكل محورا استراتيجيا مهما في القارة الإفريقية، إذ تجاور المغرب العربي وتطل على المحيط الأطلسي عبر موريتانيا، كما أنها تطل على البحر الأحمر عبر السودان.
وجغرافيا تغطي منطقة الساحل الإفريقي حوالي 3 مليون كلم مربع تتقاطـع دولها في الخصائص المناخية وحتى في نمط الاقتصاد، وتحتوي أراضيها على موارد طبيعية كالطاقة والمعادن لاسيما الذهب والفحم والفوسفات واليورانيوم، وتجاور أهم المناطق المنتجة للبترول والغاز بالقارة الإفريقية لاسيما الجزائر ونيجيريا.
وتعد امتدادات دول الساحل على النحو التالي:
- النطـاق الأول: هو ذلك الفضـاء المنـفتح على البحـر الأحـمر شرقـا إلـى المحـيط الأطـلسي غربا الممـتد مـن الـقرن الإفـريقي فـي كل من الصومال، وجيبوتي، وإرتيـريا، وإثيوبيا مرورا بالسـودان وتشـاد، والنيـجر، ومالي ومـوريتانيا.
- النطـاق الثـاني: شمال النطـاق الأول ويشمـل كلا مـن الجزائر وليبـيا.
- النطـاق الثـالث: على جنوب غرب الامـتداد الأول ويضم السنـغال، وغينيـا وساحل العـاج، وبوركـينافاسو، ونيجـيريا.
وتتميز منطقة الساحل الأفريقي بالمميزات التالية:
1- وضع اجتماعي غير منسجم نتيجة للتنوع الإثني والعرقي والقبلي.
2- ميراث تاريخي هش في بناء الدول.
3- استشراء مظاهر ضعف المواطنة.
4- ضعف الأداء الاقتصادي والأزمات البيئية.
5- انتشار الأوبئة.
6- حالات الهجرة والنزوح.
7- ثقل المديونية.
8- تكالب الدول الكبرى ذات الأطماع الاقتصادية خصوصا فرنسا والصين والولايات المتحدة.
9- هشاشة الحدود وتفاقم جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة.
وتتميز منطقة الساحل الإفريقي بالطبيعة الصحراوية الجافة، إذ تؤثر هذه الطبيعة البيئية على الوضع المعيشي لسكان المنطقة، وهي من المناطق الأكثر جفافا مما يؤثر على الزراعة التي تعتبر موردا أساسيا لتغذية السكان، ويشكل هطول الأمطار بالساحل الإفريقي ما يقل عن 400 ملم سنويا حيث يصل أحيانا إلى 150 ملم وهو ما يؤدي في النهاية إلى ظاهرة التصحر، إذ يعد المدى الحراري اليومي السنوي في المنطقة كبير جدا ويعتبر المدى الحراري بتمنراست بالجزائر أكبر مدى حراري في العالم.
وتعتبر التغيرات المناخية التي مست مناطق الصحاري تحت المدارية، وخاصة الصحراء الكبرى من العوامل الكبيرة التي أثرت على منطقة الساحل الإفريقي وأخذت أبعادا مختلفة منها ما هو طبيعي، ومنها ما هو أمني يمس بالأمن الغذائي والمائيوالاجتماعي والسياسي للمنطقة.
وقد ساهمت الموارد الطبيعية التي تحتوي عليها منطقة الساحل الإفريقي في أهمية الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة، وهي موارد فاقمت من حدة التحديات السياسية والاقتصادية وارتفاع حمىالتنافس الدولي والأجنبي عليها.
ويعاني السكان المحلـيون في منطقة الساحل الإفريقي من قدرات محـدودة على التعامـل مـع الظواهر المناخـية المتفاقمة المتمثلة في ارتفـاع درجات الحـرارة، والتقلبات الشديدة في هطول الأمطار، ومظـاهر الجفاف المتـكرر عبر العقـود، فضلا عن الكـوارث الطبيعـية والفيضانات، أو مظاهر التدهور البـيئي المقدر بنسبـة 65% من الأراضي الصالحـة للزراعة في جميـع أنحاء المنـطقة، حيث تعتمد سبـل عيش مواطني هـذه المنطقة إلى حـد كبير على الوصول المـباشر إلى المياه والمـراعي والموارد الطبيـعية الأخرى، فضـلاً عن الزراعة الموسمـية.
كما تؤدي الصراعـات الداخلية المتفاقمـة إلى انعدام الأمـن وتقليص قدرات مواطـني هذه الدول للعـودة إلى استراتيجيات المـرونة التقليديـة في التنقل والترحال، مما يـؤدي إلى نزوح داخلي واسـع النطاق، فضلا عن الهجـرة السرية.
وقد اتسم تاريخ دول الساحل الإفريقي بمجموعة معقدة من الأزمات، أهمها هشاشة مؤسسات الدولة، وضعف الأمن الغذائي، فضلا عن الانفجار الديمغرافي، وهي عوامل حملت معها تراكمات زادت من تفاقم الوضع الاجتماعي للسكان، خاصة مع انتشار الفساد بمختلف أشكاله ومظاهره، وضعف السياسات الحكومية، وانتشار مظاهر عدم الاستقرار السياسي، وضعف النشاط الزراعي، مما أدى إلى ضعف التنمية الزراعية وتخلف الاقتصاد الزراعي، وتفاقم الاعتماد على السوق الدولية، وزاد من تفاقم الوضع المعيشي انتشار أعراض الجوع والبؤس والحرمان الاجتماعي، ومختلف الأزمات التي تتسبب في مظاهر النزوح الداخلي.
فضلا عن العوامل البيئية والاجتماعية والقلاقل الداخلية والنزاعات المسلحة، تعاني دول الساحل الإفريقي من مجموعة أزمات تسهم في زيادة النزوح الداخلي بسبب المهددات الأمنية المتمثلة في فشل الدولة وعدم قدرتها على التحكم في مسار التفاعلات على المستوى الوطني، الشيء الذي هيأ أرضية خصبة لمظاهر الجريمة المنظمة، والإرهاب بمختلف مستوياته وأشكاله وهي عوامل ساهمت في ازدياد ظاهرة النزوح الداخلي.
ويمكن تفصيل أسباب النزوح في منطقة الساحل الإفريقي حسب العوامل التالية:
- النزاعات المسلحة:
تعتبر النزاعات المسلحة مظهرا من مظاهر الأزمات الداخلية في منطقة الساحل الإفريقي، وهي نتاج تفاقم التوترات العرقية والدينية والإثنية في هذه المنطقة، حيث تؤدي هذه النزاعات إلى تدهور الأوضاع الأمنية. وتعتبر علاقة النزاعات المسلحة بالنزوح الداخلي في منطقة الساحل علاقة وثيقة، حيث تؤدي الهجمات المتكررة وتدهور الأوضاع الأمنية إلى انهيار الخدمات الأساسية، مما يدفع بالسكان إلى الفرار من منازلهم بحثًا عن مناطق أكثر أمانًا داخل حدود دولهم أو في الدول المجاورة.
- الافتقار إلى التنمية وضعف البنية التحتية
إن العلاقة بين التنمية والنزوح هي علاقة ثنائية الاتجاه، فللتنمية أثر على تحركات السكان، وللنزوح تداعيات على التنمية تنعكس على الأفراد والأسر والمجتمعات والدول، فالتعثر في التنمية ينتج ضغوطا مثل الفقر، وانعدام الاستقرار السياسي، مما يزيد من فرص تعرض الأفراد للأزمات الإنسانية وتدفعهم إلى الرحيل بحثا عن الأمان.
فالافتقار إلى التنمية في البيئات الريفية واتساع رقعة الفقر أو إنشاء مشروعات التنمية الكبرى، مثل بناء السدود والمشاريع الصناعية وشق الطرقات، قد تؤدي إلى نزوح المجموعات السكانية المتضررة، وعادة ما ينتقلون إلى المناطق الأشد فقرا في المدن، أو العيش خارج المدينة في مستوطنات غير رسمية تفتقر إلى الخدمات وتحيط بها الظروف الخطرة، فضلا عن أن نزوح السكان إلى البيئات الحضرية يؤدي إلى آثار سلبية منها تقويض الحياة الأسرية للنازحين، وتمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمعات.
- الكوارث المناخية والتدهور البيئي:
غالبا ما تقع الكوارث نتيجة لأحداث طبيعية أو اصطناعية مختلفة في المصدر ومتباينة في الشدة، وتتخذ هذه الكوارث أشكالا أو أنماطا متنوعة تتراوح آمادها بين فترات قصيرة إلى أمد من السنين، فالكوارث الناجمة عن تغير أحوال الطقس، وخاصة الفيضانات مسؤولة عن الكثير من مظاهر النزوح التي يشهدها العالم بشكل شبه سنوي.
وتشكل التداعيات الأمنية للنزوح الداخلي في منقطة الساحل الإفريقي العديد من التهديدات تتمثل في:
• الجريمة المنظمة: حيث عرفت المنطقة تفاقما مطردا لنشاط الجريمة المنظمة وعلى رأسها تجارة المخدرات، إذ تعرف المنطقة كمنطقة عبور للمخدرات الصلبة، وبهذا أصبح الساحل الإفريقي يمثل أرضا خصبة لازدهار نشاط تجارة المخدرات من مناطق الانتاج إلى مناطق الاستهلاك بأوروبا والشرق الأوسط، كما تتمثل مظاهر الجريمة المنظمة الأخرى في الاتجار بالبشر وما يعنيه ذلك من مظاهر إجرامية متعددة الأبعاد.
• الهجرة السرية: وهي من أهم التحديات الأمنية في الساحل الإفريقي نظرا لارتباطها الوثيق بباقي أشكال الجريمة المنظمة مثل التهريب وتجارة الأسلحة وتجارة المخدرات.
• ظاهرة الإرهاب: ساهمت بيئة الفوضى الأمنية الناجمة عن فشل الدولة في منطقة الساحل الإفريقي وقصور مؤسساتها وقدراتها على الضبط والمراقبة كما هو الحال في ليبيا ومالي في تشكيل ظاهرة الإرهاب وازدهارها عبر المنطقة وتكوين جماعات إرهابية بولاءات جديدة، حيث لا يوجد مكان أكثر قابلية لاحتضان مثل هذه الجماعات الإرهابية المركبة أكثر من منطقة الساحل الإفريقي لعدة اعتبارات جيوسياسية.
ويضيف الإرهاب في منطقة الساحل مزيدا من تعقيد المشهد الأمني، حيث تنشط العديد من الجماعات الإرهابية مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم داعش، وبوكوحرام، مستغلة ضعف الحكومات والهشاشة الأمنية التي تعرفها المنطقة،فالمساحة الشاسعة تساهم في صعوبة التحكم في بسط الأمن على هذه الرقعة الأرضية المعقدة والمترامية الأطراف، كما تسهم في تعذر مراقبة الحدود البينية للدول نظرا لطول هذه الحدود وتعدد مداخلها، وهو ما يسهم في تفاقم ظاهرة النزوح الداخلينتيجة لازدهار ظاهرة الإرهاب في هذه المنطقة.
ويتضح مما سبق أن الزيادة المطردة في أشكال التوترات الداخلية والنزاعات المسلحة وغيرها من العوامل البيئية والمناخية، هي عوامل أنتجت ظاهرة النزوح التي يعرفها العالم بين الفينة والأخرى خصوصا في العقود الأخيرة، وما يتعرض له ملايين الأشخاص النازحين داخلياً من ظروف معيشية قاسية، إذ يعاني الكثير من النازحين من العوامل التي تهدد بقاءهم حيث يتعرضون إلى مخاطر جمة، وهو ما يضاعف من أعداد الوفيات بين الأشخاص النازحين داخلياً عبر العالم، وكثيراً ما تصل أعداد هذه الوفيات إلى نسب مفرطة، خاصة من الفئات الضعيفة كالأطفال والنساء والمسنين.
وتشكل ظاهرة النزوح الداخلي في منطقة الساحل الإفريقي ظاهرة من ظواهر عدم الاستقرار الأمني في المنطقة، وتنتج مجموعة من التهديدات والتحديات التي يجب العمل على مواجهتها من خلال مجموعة من المحاور أهمها العمل على سنسياسات وقائية من أجل الحد من آثار النزوح الداخلي في منطقة الساحل الإفريقي، فضلا عن التعاون ضمن الإطار الإقليمي لمحاربة مظاهر الجريمة المنظمة والقضاء عليها، والتركيز على الأمن الحدودي بين دول المنطقة، كما يجب العمل على تجفيف منابع الإرهاب وعدم تشجيع انتشار دفع الفدية لقاء إطلاق سراح الرهائن، والعمل بشكل حثيث من أجل القضاء على ظاهرة الهجرة السرية، من خلال إعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية.
قائمة المصادر والمراجع:
1) ابن بطوطه بن زيان، المعضلات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر، السنة2023.
2) أحمد علي العماد، السياسة الوطنية اليمنية لمعالجة النزوح الداخلي في اليمن، مجلة جامعة الرازي للعلوم الإدارية والإنسانية، مجلة علمية محكمة، تصدر عن كلية العلوم الإدارية والإنسانية، جامعة الرازي، العدد الرابع، المجلد الأول، ديسمبر 2021،
3) آنا تيبايجوكا، التكيف مع النزوح الحضري، نشرة الهجرة القسرية 34، فبراير 2010.
4) آنا ليندلي، البحث في قضية التهجير جراء الجفاف،البيئة والسياسة والهجرة في الصومال، نشرة الهجرة القسرية، 45، مارس 2014.
5) باليغ تسلاكيان وعدنان نسيم، النازحون داخليا: أية حماية؟،مجلة موارد الصادرة عن المكتب الإقليمي للشرق الأوسطوشمال أفريقيا، منظمة العفو الدولية، عدد 21، 2014.
6) خالد بشكيط، التهديدات اللاتماثلية في منطقة الساحل الإفريقي: الإرهاب والجريمة المنظمة، دراسة في حدود العلاقة، مجلة أبحاث قانونية وسياسية، جامعة جيجل الجزائر.
7) خالد حنفي علي، الشركات العالمية لعبة الصراع والموارد في إفريقيا، مجلة السياسة الدولية، العدد 169، يوليو 2007.
8) صفية إدري، آليات صيانة الأمن الإنساني بين مسؤولية الدولة وتمكين الفواعل غير الدولاتية، منطقة الساحل نموذجا، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم اللسياسية، تخصص العلاقات الدولية، جامعة باتنة، الجزائر، العام الدراسي: 2018-2019.
9) صلاح الديـن طلـب فرج، حقـوق اللاجئين فـي الشريعـة الإسلامية والقانـون الـدولي، بحـث منشـور فـي مجلة الجامعـة الإسلامـية، المجلد 17، العدد 1، غزة، 2009.
10) علي غليس ناهي السعيدي، المفهوم والمنظومة الجغرافية بظاهرة التصحر، مجلة ميسان للدراسات الأكاديمية، المجلد الثامن، العدد 15، ديسمبر 2009.
11) الهجرة والنزوح والتنمية في منطقة عربية متغيرة، تقرير الهجرة الدولية لعام 2015، لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، ومنظمة الهجرة الدولية، جنيف
بقلم/ المقدم أحمد عبد الله طفَّى