في الوقت الذي بدأ فيه الاستعمار ترسيخ نفوذه بشكل مباشر، مجبرا الجميع على الاختيار بين التعاون أو الرفض. كان الشريف حماه الله، وهو شخصية بارزة في الطريقة التجانية في غرب إفريقيا، قد اختار رفض أي تعاون مع المستعمر، مسجلا بذلك مرحلة حاسمة في تاريخ المقاومة الوطنية.
الطريقة الصوفية
من أجل فهم رفض الشيخ حماه الله للتعاون مع المستعمرين، يبقى من الضروري إلقاء نظرة سريعة على الطريقة التجانية التي انتسب لها، حيث تأسست الطريقة التجانية سنتي 1781-1782، على يد أبي العباس أحمد بن محمد بن المختار بن سالم التجاني، المولود سنة 1738 في عين ماض بالجزائر. وقد انتشرت الطريقة في شمال وغرب إفريقيا بفضل عدد من المقدمين الذين نهلوا من معين الشيخ التجاني، من بينهم الشيخ سيدي علي حرازم، والعلامة محمد المشري، والشيخ سيدي الطاهر، الذين عززوا نفوذ الطريقة في المغرب العربي.
و في غرب إفريقيا، انتشرت الطريقة على يد الشيخ محمد الحافظ الشنقيطي، المولود في منتصف القرن الثامن عشر في ولاية اترارزة بموريتانيا. فبعد رحلته للحج إلى مكة المكرمة وزيارته لفاس، تم تقديمه من طرف الشيخ أحمد التجاني، لنشر الطريقة التجانية في جنوب الصحراء.
رحلة البحث عن حامل «السر»
بعد وفاة الحاج عمر تال والشيخ محمد الحافظ الشنقيطي، واجهت الطريقة التجانية تحديات كبيرة في بلاد السودان. وأثار هذا التراجع قلق سدنة الطريقة في المغرب، مما دفعهم إلى إرسال سيدي محمد بن عبد الله الملقب بالخضر في مهمة للعثور على حامل «السر» الذي لا يصل إليه إلا الخواص من أهل الطريقة. وتم تزويد الشيخ سيدي الطاهر، مرشد الخضر، بإشارات باطنية، تمكنه من تحديد خليفة الطريقة التجانية في غرب إفريقيا. وفي سنة 1900، في نيورو الساحل، ألقى الشيخ الخضر سلسلة دروس، سرعان ما جذبت إليه عددا كبيرا من المشايخ.
في هذا السياق، التقى الشيخ الخضر بشاب يبلغ من العمر 19 سنة، هو الشريف حماه الله، وتأثر فورا بالثقة المنبعثة من وجه هذا الشاب، وبعمق ثقافته. وبعد عدة أسابيع من الاجتماعات المتكررة، توصل إلى قناعة بأن هذا الشاب هو الذي كان يبحث عنه، فبادر بجمع المريدين في نيورو، لإعلان تنصيب الشريف حماه الله زعيما للطريقة في المنطقة.
الصوفي الزاهد
وُلد شريف تيشيت الشيخ حماه الله سنة 1882 أو 1886، وتلقى تربيته في عائلة متعلمة، وحين بدأت الآلة الإمبريالية تتغلغل في أعالي النيجر-السودان (مالي الحالية)، كان والده محمدو قد استقر في كامبا ساغو على نهر النيجر للتجارة وتدريس القرآن الكريم والعلوم الشرعية، وتزوج بامرأة من أصل فلاني هي آسا جالو التي أنجبت أحمد حماه الله (الشريف حماه الله لاحقا).
في أواخر حياته، استقر محمدو في نيورو، أقرب تجمع سكاني كبير إلى وطنه. وفي سنة 1893، أرسل ولديه، أحمد حماه الله وسيدنا عمر، إلى ابن عمه محمدو ولد الشريف، المدرس البارز في تيشيت، لاستكمال تعليمهما.
لم يكرس الشريف حماه الله من شبابه سوى فترة قصيرة للدراسة المحظرية، في حين كان معظم الشيوخ في البلاد، وحتى الطلاب العاديين، يقضون سنوات طويلة من أعمارهم في تعميق معارفهم في المحاظر. في الثانية عشرة من عمره، عاد من تيشيت وبدأ في الانخراط في أوساط الطريقة التجانية، فطلب والده، الذي كان دائما حريصا على منحه التكوين الفكري الكامل، من ابن عمه محمدو ولد محمد الشريف، في نيورو، تلقين الشيخ حماه الله ورد الطريقة التجانية وتدريسه تعاليمها.
عند اعتقال الشيخ الشريف، كانت مكتبته تضم أكثر من 2.5 طن من المخطوطات، وهو ما يدل على علمه الغزير. ولكن ما جذب الانتباه بشكل خاص هو تصوفه وزهده، مما جعله رمزا للمقاومة الروحية. فقد كان متصوفا وزاهدا نادرا، وكان يمثل تطلعات جميع الأتباع الروحيين.
الإسلام تحت الرقابة المشددة
رغم أن السياسة الاستعمارية الفرنسية في غرب إفريقيا كانت، في بعض الأحيان، داعمة لبعض القادة الدينيين، إلا أنها ظلت عموما حذرة من الإسلام الذي بقي تحت المراقبة الدقيقة نظرا لما يشكله من خطر على الهيمنة الاستعمارية.
في موريتانيا، بقي معظم المشايخ بعيدين من سهام المستعمر، واختار بعضهم، مثل أهل الشيخ ماء العينين، المقاومة المسلحة والدينية والثقافية، فيما كان الشريف حماه الله هدفا رئيسيا للقمع، بسبب رفضه التعاون مع الاستعمار.
لم يكن المستعمر قادرا على السيطرة على النفوذ المتزايد للشيخ حماه الله، ففرضوا عليه مراقبة مكثفة، وحاولوا تشويه سمعته بتلفيق التهم له، في ظل عدم وجود أدلة ضده. ومع ذلك، ظلت روايات المستعمر ضده متناقضة، وغير مؤسسة.
هناك عنصران رئيسيان تجب مراعاتهما عند تحليل إدراج بعض إداريي المستعمر، للشيخ حماه الله ضمن قائمة المنبوذين. يتعلق العنصر الأول بالشعبية المتزايدة التي كان يتمتع بها الشيخ الشاب (كان يبلغ من العمر حوالي 37 عاما سنة 1920)، وعجز المستعمر عن تطويعه لخدمة مشروعه.
العنصر الثاني هو تحفظ الشريف حماه الله من ممثلي المستعمر، الذين كانوا يرون أنه من غير المقبول، بل من الخطير، أن يبقى زعيم ديني ذو مكانة عظيمة، خارج نطاق سيطرتهم. لقد بدأ نفوذ حماه الله بالانتشار منذ تعيينه من قبل الشيخ الخضر في عام 1909 كمسؤول عن الطريقة التجانية في بلاد السودان. وقد جعله إيمانه الراسخ، وزهده في الدنيا، وسماته الأخلاقية العالية، يحظى، منذ بداية قيادته الروحية، بتوافد الحشود عليه بشكل كبير.
لقد فكر الممثلون الإداريون للمستعمر، وقالوا: «لا بأس، إذا كان حماه الله لا يريدنا، فليكن ذلك، ولكن سنجعله يدفع ثمنا باهظا مقابل هذا التجاهل».
متعصب وعدواني؟
كانت نقمة تقارير المستعمر وخيالها حول النفوذ الديني المتزايد للشيخ حماه الله، تهدف إلى شيطنته وتشويه صورته في نظر العامة. وهكذا كتب بوريكاند: «إن حماه الله هو المسؤول عن تحويل هذه الطريقة الجديدة إلى حركة سياسية دينية، وهو من منحها زخما هائلا من خلال موقفه تجاهنا، علاوة على كرهه للأجانب وسلوكه مع المسلمين الذين لا ينتمون إلى طريقته، وتعصبه وعدوانيته. باختصار، لقد نجح في تشكيل نوع من التجمع المتطرف، يعتنق إسلاما محاربا، ويضم، ليس فقط متصوفين متحمسين، بل أيضا الحاقدين والمتذمرين».
في سنة 1920، قال بول مارتي عن الشيخ حماه الله: «إن موقفه تجاهنا محترم، لكنه متحفظ. إنه لا يأتي لمكتب قائد الدائرة إلا بعد استدعاء رسمي حازم».
في تقرير له سنة 1923، ذكر النقيب أندريه: «الشريف حماه الله على اتصال بسوكوتو وهوديجا، وهما على اتصال دائم بالمهديين والشباب المصريين، الذين يتلقون بدورهم دعما واضحا من جهات أبعد».
من جانبه، يذكر ر. لافوي: «لولا شخصية حماه الله الذي أصبح في نظر أتباعه، نظرا لتصوفه وصرامته في مواقفه، وليا، ثم نبيا، وأخيرا إلها، لما عرف الفكر الحموي هذا التطور السريع (...) فهو لا يستند لا إلى العقل ولا إلى المنطق».
هل يمكن، في ضوء الشهادات والوثائق الموجودة حول حياة الشريف، محاولة رسم معالم الحقيقة حول هذه الشخصية، خصوصا أن تقارير المستعمر خلقت مصطلح «الحموية» للإشارة إلى فرع «الطريقة» الذي يتبناه الشيخ.
لم يكن تصوف وزهد الشيخ حماه الله إلا انعكاسا لموقفه تجاه الاستعمار؛ فقد كان يقضي معظم وقته في الصلاة والتأمل، معتكفا في زاويته، ولم يخرج إلا في أوقات نادرة. لقد كان هذا نمط حياته قبل أن تهتم السياسة الاستعمارية، بشكل مكثف، بنفوذه.
الولاء المعدوم
التزم حماه الله بموقف متحفظ ليس فقط تجاه المستعمر، بل أيضا تجاه جميع الزعامات القبلية، وكل من كان يمتلك سلطة أيا كانت. لقد كان يسعى دائما لتقليل التواصل مع هؤلاء إلى الحد الأدنى، ولم يقبل -في العادة- استقبالهم إلا كتلاميذ وأتباع. ويمكن أن يساهم هذا الموقف في تفسير سلوكه تجاه المستعمر، الذي يعد، بالإضافة لما سبق، «كافرا» في نظره وفي نظر الوعي الجمعي، ومن ثم يحرم على المسلمين التعاطي معه.
هذه هي الدوافع العميقة للشريف حماه الله، والتي يجب البحث عنها هنا وليس في مكان آخر: الشيخ المخلص لمعتقده الديني، لم يكن يرغب في إقامة علاقة مع المستعمر، ومن أجل تجنب الاضطرار لتقديم تقارير لهم، اختار دفع الضرائب بانتظام. وقد قال عنه الإداري بريفي سنة 1917: «لقد رأيت الشريف حماه الله بأم عيني. بدا لي متأملا للغاية، وغير راغب في أن يكون معروفا لدينا... فعلى عكس نظرائه، هو لا يبالغ في تقديم تصريحات الولاء. لقد تحدثت معه عن فرنسا، القوة الحامية للإسلام، لكنني لم أنجح في إخراجه من صمته...».
الفشل الذريع
كان الشيخ حماه الله يرغب في العيش بسلام وفي التفرغ بشكل كامل للعبادة، ولكن بسبب بعض المتحمسين في الإدارة الفرنسية، لم يعد قادرا على ذلك، اعتبارا من سنة 1924. ومع ذلك، لم يقع جميع الإداريين في الفخ، كما هو الحال مع غادن، حاكم موريتانيا، الذي كتب سنة 1926: «الشيخ حماه الله لديه سمعة طيبة -حتى- لدى أولئك الذين لا ينتمون لطريقته، بوصفه وليا وصوفيا متفرغا للصلاة وأعمال البر وتوزيع الهدايا التي يتم تقديمها له. إنه لا يهتم بالسياسة، ولا يقدم للذين يقتربون منه سوى النصائح الموجهة للسلام والطمأنينة».
لكن المؤامرة ضد الشيخ لم تتوقف، ولم يكن أمامه سوى خيارين: التعاون الصريح أو التمرد العلني. وقد تمكن من إفشال جميع محاولات ترويضه، كما تجنب العديد من المحاولات الاستفزازية.
بعد فشلهم الذريع في زعزعة مقاومته الأخلاقية والروحية والثقافية، قرر الفرنسيون اتخاذ إجراءات صارمة ضده. وهكذا تجاهل الحاكم العام لإفريقيا الغربية الفرنسية، رأي المسؤول الأول عن مستعمرة موريتانيا، وقام بنفي الشريف حماه الله بشكل نهائي.
الشيخ المضطهد
من الصعب سرد جميع المضايقات والمعاناة التي فرضها المستعمر على الشيخ، لكن أبرزها يتمثل في:
اعتقاله، يوم 25 دجمبر 1925، في باماكو، بأمر من الوالي تيراسون دو فوجيرز، وتغريبه إلى المذرذرة.
في دجمبر 1929، وقعت اشتباكات في كيهيدي بين أتباع الشيخ وأتباع الطريقة التجانية من ذوي «الاثنتي عشرة حبة في السبحة». وفي فبراير 1930، تم قمع الحمويين بشكل عنيف، بوقوع 32 قتيلا و50 جريحا منهم. وهكذا، وبتهمة الوقوف وراء هذه الأحداث، تم تغريبه إلى أدزوب في ساحل العاج.
عاد الشيخ إلى انيورو سنة 1936، معتمدا صلاة القصر بسبب الخوف، وهو ما أثار اعتراض المستعمر الذي اعتبر ذلك تحريضا على الجهاد ضده. وعندما سئل عن دوافعه، أجاب الشيخ أنه يشعر بالتهديد وفقا للآية 102 من سورة النساء، مبررا حقه في اعتماد «صلاة الخوف». وعند استجوابه من طرف قائد دائرة نيورو: «لماذا تقصر صلاتك؟ لماذا تتفرد بأداء الركعتين؟ هل تعتبر نفسك نبيا الآن؟»، أجاب الشيخ حماه الله بهدوء وفطنة: «السيد ممثل فرنسا، أخبرني من فضلك، كم ركعة فرضتها فرنسا؟».
تم استغلال النزاعات القبلية، واستخدامها ذريعة لاعتقاله مجددا في 19 يونيو 1941؛ حيث تم نفيه إلى قسنطينة في الجزائر. وفي إبريل 1942، تم نقله إلى فرنسا، ليقيم في معسكر الاعتقال في فال- لي- بين.
في فال- لي- بين، بدأت حالته الصحية تتدهور بسبب المناخ وعدم تزويده بنظام غذائي حلال. وعندما أدرك الشيخ أن سجانيه كانوا يريدون التخلص منه بنقله إلى هذا المعتقل، وضع مصيره بيد الله وخاض معركة أخلاقية حتى النهاية.
يُعد الشريف حماه الله شخصية بارزة في المقاومة الروحية والأخلاقية ضد الاستعمار. لم يتمكن الاستعمار أبدا من توجيه أي تهمة ملموسة إليه تبرر الإجراءات القمعية التي تعرض لها.
ظل الشريف حماه الله مخلصا لقناعاته الدينية، وأثبت أن حب الله هو السلاح الأسمى الذي لا يمكن لأي شيء أن ينكسر أمامه. كما أثبت أن الضمير هو الملاذ الحصين لإرادة الإنسان الحر. ولا شك أن مثال هذا الرجل الاستثنائي سيظل حيا في ذاكرة الأجيال القادمة.
الخلاصة
يجسد الشريف حماه الله المقاومة الروحية ضد الاستعمار في موريتانيا، فقد جعل منه رفضه الخضوع لسلطة المستعمر، وعلمه الغزير، وزهده في الدنيا، شخصية محترمة ومهابة. ويرمز نضاله إلى مقاومة الدين الإسلامي والأعراف المحلية للغزاة والمستعمرين، ويذكر بأهمية الإيمان والثقافة في حركات التحرير الوطني.
الشريف حماه الله:
مقاومة الإيمان في وجه الاستعمار
بقلم عبد الله فال
باحث في تاريخ المقاومة الوطنية
المصادر والمراجع
• Traoré, A. (2024). La Tijania en Afrique de l’Ouest. Editions Universitaires.
• Marty, P. (1920). Les Confréries Musulmanes en Afrique Noire. Editions Larose.
• Borricand, A. (1923). Rapports Coloniales. Archives Nationales.
• Hamès, P. (2024). Chrîv Hmah’Alla et la Résistance Mauritanienne. Presses de l’Ifan.