قراءة في كتاب "عن الحرب" للجنرال كارل فون كلاوزفيتز

الحرب هي تلك الإجراءات العنيفة التي ينتهي إليها شجار ما بين خصمين لم يجدا حلا آخر، وهي إحدى السنن الكونية والغرائز المتأصل في الكائنات الحية عموما، ووصف ملازم للإنسان لاختلاف مصالحه وتباين آرائه ورغباته، وطغيان غريزة السيطرة لديه، يقول العلامة ابن خلدون في المقدمة: "اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة منذ برأها الله، وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض، ويتعصب لكل منها أهل عصبية، فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطائفتان إحداهما تطلب الانتقام والأخرى تدافع كانت الحرب. وهو أمر طبيعي في البشر لا تخلو عنه أمة ولا جيل، وسبب هذا الانتقام في الأكثر إما غيرة ومنافسة، وإما عدوان، وإما غضب لله ولدينه، وإما غضب للملك وسعي في تمهيده." (مقدمة ابن خلدون، دار الفكر، 2016، ص: 258)
كما يرى هيجل أنها: " شرط أساسي للصحة الأخلاقية للشعوب، إذ بدون الحرب أو التهديد بالحرب ربما يواجه شعب خطر فقدان الحس بالحرية... ولا يمكن تسوية النزاعات بين الأمم إلا بالحرب."(مفهوم الحرب، الشهابي، مؤسسة مي، 1990. ص: 43)
وتعتبر دراسة العلوم العسكرية من أهم المشاغل لأي جيش لدورها الحاسم في تكون قياداته، وتنظيم وحداته، وتمكينه من بناء قدراته، وتوجيهه نحو تحقيق أهدافه المتمثلة في حماية الوطن والدفاع عن حوزته الترابية، كما أنها مشغلا معرفيا هاما لتوسيع المعارف لغير العسكريين ورفد زادهم الثقافي بمعلومات هامة.
 ورغم الأهمية البالغة لهذا العلم فإنه ما زال يعاني ضمورا في الدراسات وشحا في المصادر والمراجع القديمة، ويعد كتاب "فن الحرب" لسون تزو القائد الصيني الذي كتبه في القرن السادس قبل الميلاد أول مصدر عسكري معروف، كما تعد مقدمة العلامة ابن خلدون مصدرا هاما في لما قدمته من معلومات في غاية الدقة والأهمية، ثم يأتي كتاب "عن الحرب" لكارل فون كلاوزفيتز الجنرال البروسي الألماني (ت 1831م) الذي أعتبر من أهم المصادر في الموضوع، إذ ظل يحظى بعناية فائقة من طرف النخب العسكرية رغم تقادمه نسبيا، فما زال يشكل مرجعا مهما لكل الدراسات العسكرية الإستراتجية، لسعة موضوعاته، وعمق أطروحاته، وبعده الاستراتيجي الناضج، الأمر الذي جعلنا نختاره ليكون موضوع قراءتنا لهذا العدد.
إن كتاب "عن الحرب" يمثل أهم المصادر القديمة للدراسة الحربية، وهو عبارة عن نظريات معززة بتجارب المؤلف الفيلسوف القائد الميداني الذي استطاع بعبقريته الفذة أن يصهر تجاربه وملاحظاته على مدى سنوات طويلة ليدونها في رؤية متكاملة عن فلسفة الحرب وإكراهاتها غير الإنسانية، ودور ها في الحياة الاجتماعية والسياسة، وتحليل مختلف جوانبها، وأهم العناصر الثابتة في كينونتها.
لقد اختطف الموت المؤلف وكتابه ما زال مخطوطا، لكنه زوجته ماري فون بروهل استطاعت بجهد كبير أن تطبع الكتاب بعنوان "عن الحرب"، فاعتبر ثورة حداثية في مجال العلوم العسكرية.
وقد خرج الكتاب في ثمانية أقسام، وسمي كل قسم منها كتابا، فبعد الأطروحات التمهيدية التي هي: نشوء كتاب "عن الحرب" لبيئررايت، و تأثير کلاوزفيتز لمايکل هوارد، والصلة المستمرة لـ"عن الحرب" لبيرنارد برودي. 
يأتي متن الكتاب فيبدأ بمقدمة وتعليق للمؤلف، ومقدمة للسيدة ماريا کلاوز فيتز صاحبة الفضل في خروج الكتاب، وملاحظتين للمؤلف، ثم أقسام الكتاب التي جاءت على النحو التالي:
الكتاب الأول:
خصص المؤلف القسم الأول لما سماه طبيعة الحرب، وتضمن ثمانية فصول هي: - ما هي الحرب؟ - الغاية والوسيلة من الحرب - في العبقرية العسكرية - عن الخطر في الحرب - حول الجهد في الحرب - الاستخبارات في الحرب - الاضطرام في الحرب - ملاحظات استنتاجية.
اتخذ الفصل الأول شكل مقدمات، جاءت في 28 مقدمة، وقد استهلها بمقاربة مفهوم الحرب: " فالحرب ليست في النهاية سوى مبارزة على نطاق واسع، وأن بوسع ما لا يحصى من المبارزات أن تصنع حربا، إلا أن صورتها ككل يمكن أن تتشكل بتصور اثنين من المتصارعين، يسعى كل منهما وبفعل قوته المادية لإجبار خصمه على الخضوع لمشيئته، وغايته الآنية هي إلقاء خصمه أرضا لجعله عاجزا عن إبداء أية مقاومة. وهكذا فالحرب عمل من أعمال القوة لإجبار العدو على تنفيذ مشيئتنا. " ( عن الحرب، كلاوزفيتز، ترجمة الإمامي، العربية، بيروت، 1997 ط 1. ص: 103) 
فالعنف إذا وسيلة، أما الغاية فهي فرض إرادتنا على الخصم. ثم يتوقف عند مفاهيم يراها أساسية مثل: الحد الأقصى للقوة المتاحة، والجهد الأقصى للقوة، فيفرق بين ما هو ممكن، وما تخوله القدرات بالفعل، كما يعتبر أن تجريد العدو من سلاحه، مقابل الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من سلاحك هو الهدف العسكري.
ويتوقف طويلا عند مجموعة من المثبطات، ويرى أن العاطفة والنيات الطيبة لا مكان لها في ساحة المعارك، ويحذر من مثل هذه العوامل في عرقلة الفعاليات الحربية.
ثم يواصل كلاوزفيتز الحديث عن تباين الحروب في ضخامتها ومحدوديتها، وفي آمادها وأهدافها ووسائلها وبساطتها واشتدادها، ولم يغفل في هذا المقام أن يقدم تحليلاً للروح والشخصية العسكرية، والعلاقة الجدلية الثابتة بين الحرب والسياسة، باعتبار الحرب مجرد امتداد للسياسة، ويختمه بخلاصات هامة ينهيها بالحديث عن اضطرام الحرب الذي يحول كل ما يبدو سهلاً للغاية أمرا في غاية العسر والصعوبة.
الكتاب الثاني:
تناول القسم الثاني نظرية الحرب، واشتمل على ستة فصول، هي: - تصانيف فن الحرب - حول نظرية الحرب - فن الحرب أو علم الحرب - طريقة وسياق - تحليلات نقدية - الشواهد التاريخية.
عاد كلاوزفيتز إلى تعريف الحرب من جديد ليؤكد الدور الحاسم في الحرب للبعد المعنوي والنفسي، وتحدث بإسهاب عن إدارة الحرب التي اعتبرها هي استخدام الوسائل بالشكل المناسب، وتوقف عند مفهومين سائدين هما التعبئة والإستراتجية، وفصل الوسائل القتالية كالمسير والعسكرة والإيواء، والوسائل غير القتالية كالتموين والطب والمعدات والتخندق والتحصينات، والتفوق العددي. 
ثم يناقش الأطروحات السائدة بشحنة نقدية طافحة، مثل الإستراتجية والنظريات الحربية، ويتساءل عما إذا كانت إدارة الحرب فناً أم علماً ويعتبرها علما وفنا في آن معا، ويستعرض الأخطاء التي تقع فيها تلك الدراسات، خصوصا ما اعتبره سوء استخدامهم للأمثلة التاريخية، وهنا يستعرض كلاوزفيتز كثيرا من المعارك والحروب التاريخية بالتحليل والنقد.
الكتاب الثالث:
تكرس القسم الثالث للاستراتجية، واشتمل على اثني عشر فصلا، هي: - الإستراتجية -عناصر الإستراتجية - العوامل المعنوية - العناصر المعنوية الرئيسة - المزايا الحربية للجيش -الإقدام – المثابرة - التفوق العددي – المباغة -الدهاء والمكر - حشد القوات في المكان - اتحاد القوات في الوقت - الاحتيال الاستراتجي - الاقتصاد بالقوة - العامل الهندسي - تعليق العمل في الحرب - سمة الحروب المعاصرة - التوتر والراحة.
يعالج المؤلف بعمق معنى الاستراتيجية، التي عرفها بأنها: "استخدام اشتباك ما من أجل هدف الحرب، لذا على الاستراتجي أن يحدد غاية لمجمل الجانب العملياتي للحرب على أن يتوافق مع الهدف" (ص 245) فهي تعني عنده تخير وإدارة قواعد عمل وخطط وقيادة القطاعات العسكرية المشتركة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية العسكرية، بمعنى أن الإستراتجية بالنسبة له هي ما يسمى الآن بالعمليات الحربية.
وقد ناقش كلاوزفيتز العبقرية مفضلا العقل المتحرر المستقصي على العقل الخلاق، كما ناقش الروح القتالية ودورها، وحدد مصادر الروح القتالية بعاملين هما سلسلة الحملات الناجحة، والجهد المستديم"جهد مستديم يبذله الجيش حتى الحدود القصوى لطاقته" (ص ٢٤٢)
الكتاب الرابع: 
خصص المؤلف هذا القسم لموضوع الاشتباك، واشتمل على أربعة عشر فصلا، هي: تمهيد، وطبيعة المعركة اليوم، والاشتباك بشكل عام، والاشتباك بشكل عام تتمة، وأهمية الاشتباك، ومدة الاشتباك، وقرار الاشتباك، والموافقة المشتركة على القتال، وقرار المعركة، والمعركة تتمة، واستخدام المعركة، والوسائل الإستراتجية في استثمار النصر، والانسحاب بعد معركة خاسرة، والعمليات الليلية.
 شرح المؤلف قواعد الاشتباك، وطبيعة سيره في زمنه، ومركزية مفهوم "تدمير قوة العدو" في قواعد الاشتباك، والعناصر الأخرى الفعالة في الحرب وأنشطتها العسكرية الأساسية، وأركان الانتصار؛ كتكبيد العدو لأفدح الخسارة، وفقدانه للمعنويات، واعترافه بذلك، وقواعد الهجوم والدفاع، والوقت الكافي لكل اشتباك، وقرار الاشتباك وتصاميم الهجوم وأهمية المباغتة، وآثار الانتصار ميدانيا وخارج الميدان. 
الكتاب الخامس: 
خصص هذا القسم للقوات العسكرية، واشتمل على ثمانية عشر فصلا،  هي:
-لمحة عامة - الجيش ومسرح العمليات، والحملة - القوة النسبية - العلاقة بين فروع الخدمة -نظام معركة الجيش - الترتيب العام للجيش - المقدمات والمخافر الأمامية - الاستخدام العملياتي للفيالق الأمامية - المعسكرات - التنقل - التنقل: تتمة - التنقل: استنتاجات  - الإيواء -الإدامة والتموين - قاعدة العمليات - خطوط المواصلات - الأرض -المرتفعات الحاكمة.
  تناول المؤلف في هذا القسم الجوانب غير القتالية من القوات العسكرية، كتعدد الجيوش تحت قيادة موحدة، والتفوق العددي ودور مواهب القائدة الحاسمة في النصر، وعدم الترابط بين تلك المواهب الثقافية بل بالصدفة كما يسميها.
كما ناقش بإسهاب الأصناف الثلاثة للجيوش في زمنه: المشاة والخيالة والمدفعية، ونظام المعارك.
الكتاب السادس 
تناول هذا القسم موضوع الدفاع، واشتمل على ثلاثين فصلا، هي: الدفاع والهجوم - العلاقة بين الهجوم والدفاع في التعبئة -العلاقة بين الهجوم والدفاع في الاستراتيجية -تقارب الهجوم وتباعد الدفاع - سمة الدفاع الاستراتيجي - مدى وسائل الدفاع - التفاعل بين الهجوم والدفاع -أنواع المقاومة - المعركة الدفاعية -القلاع - القلاع: تتمة - المواضع الدفاعية -المواضع المحصنة والمعسكرات المتخندقة - المواضع الجانبية - الحروب الجبلية الدفاعية - الحروب الجبلية الدفاعية: تتمة - الحروب الجبلية الدفاعية: تتمة أخرى- الدفاع عن الأنهار ومجاري الماء - الدفاع عن الأنهار والوديان: - أ-الدفاع عن الأهوار (المستنقعات)  ب. الأراض المغمورة بالماء - الدفاع عن الغابات - الطوق - مفتاح المنطقة  -العمليات على الجناح -التراجع داخل البلاد - الشعب المسلح -الدفاع عن مسرح العمليات - عن مسرح العمليات: تتمة -الدفاع عن مسرح العمليات: تتمة؛ مقاومة مرحلة - الدفاع عن مسرح العمليات استنتاجات، عندما لا يكون الحسم هو الهدف.
ومن الواضح أن المؤلف كرس هذا القسم للدفاع، ونقاش مفهومه ومزاياه، واعتبره أفضل وسيلة للنصر خلاف الاعتقاد السائد بأن أفضل وسائل النصر الهجوم، لكن كلاوزفيتز يقول بالحرف: " يجب علينا القول بأن الشكل الدفاعي للحرب أقوى فعلا من الهجوم. وهذا هو الأمر الذي نحاول إثباته، إذ ومع أنه في طبيعة الأمر ضمنيا، كما أكدته التجارب مرة تلو الأخرى، إلا أنه لا يتماشى والآراء السائدة، مما يبرهن لنا الكيفية التي تضيع وتشوش بها الأفكار من قبل الكتاب السطحيين " (ص: 502 )
الكتاب السابع: 
خصص المؤلف القسم السابع للهجوم وجعله من اثنين وعشرينا فصلا، هي: - الهجوم وعلاقته بالدفاع - طبيعة الهجوم الاستراتيجي - هدف الهجوم الاستراتيجي - تناقص قوة الهجوم - نقطة الذروة في الهجوم - تدمير القوات المعادية -المعركة التعرضية -عبور الأنهر - هجوم على مواضع دفاعية - هجوم على معسكرات متخندقة - عشر هجوم في منطقة جبلية -عشر مهاجمة الخطوط - عشر المناورة -الهجوم في الغابات والمناطق المغمورة بالماء -الغابات الهجوم على مسرح الحرب البحث عن حسم - الهجوم على مسرح الحرب ليس بحثا عن حسم  - مهاجمة القلاع - مهاجمة القوافل - مهاجمة جيش معاد في المأوي - التشتيت - الغزو - نقطة ذروة الانتصار .
يبدأ المؤلف بالتأكيد على أفضلية الدفاع قبل الاسترسال في مقاربة موضوع الهجوم، وأهميته الحيوية والسرعة والقوة الضاربة، وتحديد الهدف، والمعاركة التعرضية، وأهمية التطويق، والتدمير الكلي، ويخصص بقية القسم لمعارك المياه.
الكتاب الثامن 
تناول القسم الثامن والأخير خطط الحرب، وجعله في تسعة فصول، هي: - تمهيد -الحرب المطلقة والحرب الحقيقية - أ. الاعتماد المتبادل لعناصر الحرب - ب. نطاق الأهداف العسكرية وقياس الجهد الواجب القيام به - تحديد دقيق للهدف العسكري: دحر العدو - تحديد دقيق للهدف العسكري: تتمة؛ الغايات المحدودة - أ-أي تأثير للغاية السياسية على الهدف العسكري، ب. الحرب هي أداة للسياسة - الغاية المحدودة: الحرب الهجومية - الغاية المحدودة: الحرب الدفاعية - خطة لحرب صممت لتقود إلى اندحار تام للعدو.
يركز القسم الثامن كما هو واضح على خطط الحرب ومدى استخدام القوة المرتكزة على الأهداف السياسية، وقوة الإرادة لدى الحكومات المتحاربة، والحالة السياسية فيها، ويعتبر أن تقدير الحالة العامة ضروري للخطط من أجل نجاحها: "علينا التمعن أولا في غايتنا السياسية، وغايات العدو. كما علينا تفحص وقياس قوة وموقف الدولة المعادية. و تفحص شخصية وقدرات حكومتها وشعبها وفعل الشيء نفسه مع مثيلاتها لدينا واخيرا على تقويم التعاطف السياسي للدول الأخرى وحجم التأثير الذي ستصبه الحرب عليها." ص: 809
الخلاصات:
أ.يتسم كتاب "عن الحرب" بالشمولية والمعالجات الدقيقة، رغم أنه لم يصل حد النضج لموت المؤلف قبل اكتمال كتابه، يتجلى ذلك في أسلوبه الخشن أحيانا، والتكرار، والتعقد الذي قد يكون بعضه نتاجا عن الترجمة المكررة، فقد كتب بالألمانية ثم ترجم إلى الانجليزية، ليترجم إلى العربية. 
ب.رغم كل ذلك فإن " عن الحرب" شكل ثورة في علوم الحرب، بفضل سعة علوم مؤلفه، وتجربته الميدانية، وتميزه بالواقعية، وقدرته على النقد والتشكيك الدائم بالمسلمات والنظريات المعاصرة له، وبعده الفلسفي والمنطقي،  وتأملاته وافتراضاته العبقرية، وآرائه المتفردة.
ج.تميزالكتاب بمجموعة من الميزات حفظت له مكانته المرموقة بين المصادر الهامة في الموضوع، منها مقولاته وآراؤه السارية حتى اليوم في مجموعة من القضايا منها على سبيل المثال:
1.    دور "العبقرية" في الحرب، فالحرب بالنسبة للمؤلف ليست عملية قوانين ومبادئ ونظريات ثابتة يمكن تطبيقها وانتظار النتائج، بل هي عملية إنسانية متغيرة بفعل شرائطها المختلفة حسب الزمان والمكان والظروف، لهذا تحتاج دائما إلى عبقرية متوثبة خلاقة ، ومواهب عقلية كبرى قادرة على تغيير القواعد حسب أملاءات اللحظة، واقتناص الفرص الآنية والثابتة: "فهل هناك قوانين عامة يخضع لها نزاع العنصر الحي الذي نراه يتكون ويجد حلوله في الحرب، وهل تتيح هذه القوانين قاعدة مفيدة للسلوك في العمل؟ إن هذا الكتاب سيحاول فحص هذا السؤال في بعض أجزائه."(ص 168)
2.    الدمج بين العلم والفن في مفهوم الحرب؛ إذ هي لا تنتمي للعلم بقر ما تنتمي للفن فهي هما معا، لكونها نشاطا يخضع لضوابط وحسابات كمية وكيفية علمية، لكنه في الآن نفسه محكوم بعناصر متغيرة ومعقدة إنسانية عاطفية ومعنوية وخاضعة حتى للصدف بالنسبة للمؤلف، إذ يقول: "الحرب ليست فنا ولا علما هي أكثر من ذلك هي شكل من أشكال الوجود الاجتماعي إنها نزاع بين المصالح الكبرى يسويه الدم".(ص 168)
3.    الحرب أداة سياسية، كل عمل عسكري وراءه هدف سياسي بالنسبة لكاوزفتز، فإذا تحقق الهدف السياسي بوسائل أخرى فلا داعي للحرب أو العمل العسكري، يقول: " إن السياسة هي الرحم الذي تنمو فيه الحرب، وتختفي فيه الملامح التي تكونت بصورة أولية، كما تختفي خصائص المخلوقات الحية في أجنتها"…" الحرب ليست من عمل السياسة فقط، بل إنها أداة سياسية حقيقية، إنها استمرار للنشاط السياسي بوسائل أخرى. (ص 167)
4.    الاستراتيجية العسكرية، لعل أول من وضع مفهوم الإستراتجية العسكرية هو كلازوفتز، فعرفها، وفصل قواعدها، وأسهب في عناصرها وأطروحاتها، فيقول: "الاستراتيجية هي استخدام الاشتباك من أجل هدف الحرب."، وقد عاب الكاتب البريطاني على التعريف أنه يدخل الفكرة في حقل السياسية، وهي أمور تتعلق بمسؤولية الدولة لا بحدود عمل القيادة العسكرية، وتحديده لمعنى الإستراتجية فيما يتعلق باستخدام المعارك فقط، وإهمال كل الاعتبارات والإمكانات الأخرى للبحث عن المعركة التي تحقق الحسم بقوة السلاح.( الإستراتجية، عبد المجيد، الوراق، 2010، ص: 27)
5.    الحرب مسألة عنف، يرى كلاوزفتز أن الحرب مقترنة بالعنف، ومن هنا تصبح قوة طبيعية عمياء لا مكان فيها للنفوس الطيبة وتتطلب إراقة الدماء: "لا تحدثونا عن قادة يتنصرون دون سفك دماء" فالعنف هو القاسم المشترك لكل حرب، هو كل شيء، وهو الحرب نفسها، إن افتقد هذا العنصر اختل مفهوم الحرب.(ص 93) "لأن الحرب قضية خطيرة، والأخطاء الناتجة عن طيبة النفس هي أسوأ الأخطاء.(ص 75)
6.    دور الأبعاد المعنوية، يركز المؤلف على الأبعاد النفسية العميقة للحرب فـ"خلال الاشتباك تظل القوى المعنوية العامل الحاسم للقرارات.(ص 236) حيث يظل الجانب المعنوي في الاشتباك من أهم العناصر المتحكمة في نتائج الحرب.(ص 237).
7.    أهمية الفكر ، لقد أعطى كلاوزفيتز قيمة كبرى للبعد الفكري في الحرب، وتحدث طويلا عن دور العوامل الفكرية ، فرغم ما قدمه من تضاءل دور التخطيط والعلم ميدانيا لقوة العوامل المتغيرة التي تجعل الأولوية لعبقرية القائد، فإنه يرجع ليؤكد أهمية المعرفة فـ"دور المعادلة الفكرية المعنوية وازنة في الحرب.(ص152-153) وما حساب الاحتمالات إلا تأكيد على أن الحرب عمل فكري.(ص86).
8.    الدور المجتمعي، يؤكد كلاوزفيتز على دور المجتمعات في الحربية، فالحرب تخص الوجود الاجتماعي.(ص 167)
9.    الممكن والمستحيل، يرى كلاوزفيز أن الحرب تعتمد على تقدير الإمكانات دون استبعاد روح المغامرة، لكن المغامرة غير المحسوبة لا تجلب غير العواقب المدمرة، فـ "الرجل الذي يضحي بالممكن من أجل المستحيل ليس سوى رجل أحمق." 
10.    دور الصدف، ركز كلاوزفتز على عنصر الصدف، فإذا كان دور التخطيط واحتساب الاحتمالات هو تضيق دور الصدف، "فالصدفة تلعب دورها ويبقى لها هامشها المؤثر.(ص87).
وبالجملة فكتاب كلاوزفيتز "في الحرب" مصدرا مركزيا في الدراسات العسكرية، لما اتسم به من عمق ونضج ومنهج، فالكتاب تناول الحرب في أبعادها النظرية  باعتبارها ظاهرة وعلما وتصورا وفلسفة، كما تناولها في أبعادها التقنية والتنظيمية المباشرة، الأمر الذي منحه الاهتمام الدائم، صحيح أن كثيرا من القضايا الحربية التقنية التي قدمها لم تعهد مهمة لأن التخطيط الميداني قد تجاوز أغلب عناصرها التي ما زالت موجودة، غير أن الإسهامات النظرية الكبيرة التي أضافها للفكر العسكري ما زالت فلسفة ثابتة للحرب، كما تعتبر قراءاته التحليلية لأشهر الحروب والمعاركة التاريخية مصدرا للآراء النقدية في مجال الحرب، مع أخذنا عليه هنا إهماله للمعارك الإسلامية الكبرى جهلا بها أو تجاهلا لها.
ويرى القائد محمد الشهاب الهاشمي أنه لابُد لكل قائد أو طالب عسكري يطمح للقيادة أن يستقي من معين هذا الكتاب، أو يقرأ على الأقل الأقسام الثلاثة الأولى الخاصة بطبيعة الحرب ونظرياتها والاستراتيجية، والقسم  الأخير الخاص بالخطط الحربية.
 

اثنين, 13/05/2024 - 10:10

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك