في الخامس والعشرين من نوفمبر سنة 1960، صدر القانون المنشئ للجيش الوطني، وقد تضمن هذا القانون تكليف الجيش الوطني بمهام الذود عن السيادة الوطنية وصيانة الأمن والنظام والسهر على تطبيق قوانين الجمهورية.
لقد شكل إنشاء الجيش الوطني تجسيدا حقيقيا لاستقلال سياسي، حصلت عليه البلاد بعد تضحيات جسام، قدمها أبطال المقاومة الوطنية على مدى أكثر من ثلاثة عقود. لكن هذا الاستقلال لم يلبث أن أفرز جملة من التحديات الداخلية والخارجية، وقفت حينها في وجه هذا الكيان السياسي الذي لا يزال يتحسس خطاه نحو السيادة والاستقلال الفعلي. وكان من أبرز هذه التحديات بسط سيادة الدولة على حدود وسواحل مترامية الأطراف، وصهر المكونات الاجتماعية في بوتقة واحدة، وصولا إلى خلق اللحمة الوطنية.
لقد كان الاعتماد كاملا على الجهود الذاتية لجيل الاستقلال لبناء جيش وطني، قادر على النهوض بأعباء الاستحقاقات الأمنية والدفاعية الملحة، الناجمة عن فراغ السلطة الكبير الذي خلفه رحيل الإدارة الاستعمارية، وقد تمكن الجيش الوطني خلال العقود الستة الماضية وما تخللها من تجارب عسكرية من الاضطلاع بالمهام الجسام الملقاة على عاتقه، ليتوج مسيرته العسكرية المظفرة بنجاح منقطع النظير في القضاء على مختلف أنواع التهديدات التي تواجه البلاد اليوم.
تشكل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة إحدى أهم ركائز العقيدة القتالية الوطنية، خاصة بعد الاعتداءات الآثمة التي تعرض لها جيشنا الوطني خلال العقد الأول من القرن الحالي، وفي سبيل مواجهة هذا الخطر الجديد، الذي تجسد في ظهور أنماط قتالية جديدة ومبتكرة، تم بناء منظومة عسكرية دفاعية، قائمة على مبدأ الحرفية وتعدد الاختصاصات، عمادها وحدات عسكرية جوالة، قادرة على مواجهة التهديدات اللانمطية بمختلف أشكالها.
سلاح المشاة
تشكل التجمعات الخاصة للتدخل والوحدات الأخرى المكلفة بمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، العمود الفقري والدعامة الأساسية التي يقوم عليها سلاح المشاة، حيث تجسد الرد العسكري المناسب على التهديدات اللانمطية التي ظهرت في منطقة الساحل والصحراء خلال السنوات الأخيرة، بعد أن برزت الحاجة إلى إعادة هيكلة القوات المسلحة الوطنية، بما يضمن القدرة على الاستجابة الفورية للمتطلبات الأمنية الملحة، فتمت مراجعة عقيدة الاستخدام، بما يسمح بإنشاء مثل هذه الوحدات.
تتميز هذه الوحدات بالقدرة على المناورة والحركة السريعة باستخدام آليات خفيفة عابرة للصحراء، وتتمتع بكثافة نارية كبيرة، وتمتلك أسلحة متطورة فردية وجماعية، بالإضافة إلى مضادات للدروع والطيران، ولديها استقلالية لوجستية، تمكنها من المناورة بصفة منعزلة لأطول فترة ممكنة، كما مكنتها المهام الدائمة من معرفة الميدان والقدرة على استخدام المسالك والطرق في أي عملية محتملة لتطويق العدو أو اعتراضه.
تنفذ الوحدات الخاصة المكلفة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، مهام دائمة في زمن السلم وأخرى في زمن الحرب.
مهام الوحدات المكلفة بمكافحة الإرهاب في زمن السلم:
- تمشيط ومسك جميع النقاط المشبوهة والهامة
- البحث عن المعلومات المتعلقة بالجماعات الإرهابية المسلحة وعصابات تهريب المخدرات
- تحديد المسالك والممرات في الميادين الصعبة
- تحديد نقاط المياه الصالحة للشرب وإحياء أخرى كانت ميتة
- تأمين الشركات الأجنبية العاملة في مجال التنقيب عن المعادن
- تقديم الخدمات الصحية مثل العلاجات الأولية والإخلاء الطبي بالإضافة إلى المساعدات الغذائية للمواطنين القاطنين في مناطق تحرك هذه التجمعات العسكرية.
مهام الوحدات المكلفة بمكافحة الإرهاب في زمن الحرب:
بالإضافة إلى المهام التقليدية لوحدات المشاة الخفيفة، تكلف وحدات مكافحة الإرهاب بالتصدي للتهديدات الإرهابية بمختلف أنواعها، وهي مهيأة بحكم طبيعة التكوين ونوعية الوسائل لتنفيذ ضربات استباقية ونقل المعركة إلى معاقل العدو في ظرف قياسي وإجهاض مخططاته.
القوات الجوية
يتوفر الجيش الوطني الموريتاني على منظومة دفاعية جوية حديثة، تم بناؤها لمواكبة العمليات العسكرية على الأرض، وتقديم الدعم والمساندة في مجال الاستطلاع وجمع المعلومات، ومراقبة المجال الجوي الوطني والمياه الإقليمية الوطنية. ويشكل السلاح الجوي الذراع الضاربة للجيش الوطني الموريتاني، حيث شهد هذا السلاح نهضة كبرى، خاصة في مجال تطوير الوسائل الدفاعية، البشرية والمادية، وتكييفها مع واقع التحديات الأمنية القائمة. وقد تجسد تحديث منظومتنا الدفاعية الجوية في اقتناء الحوامات والطائرات المقاتلة، والمعدات الإلكترونية في مجال المراقبة والاستخبار.
ولتكييف البنية التنظيمية والإدارية مع واقع النمو المضطرد في الوسائل البشرية والمادية، على مستوى سلاح الطيران، تم تحويله من مديرية للطيران إلى جيش جوي، يشكل اليوم إلى جانب البحرية الوطنية والجيش البري مكونا أساسيا من مكونات الأركان العامة للجيوش.
إن المهمة الأساسية للجيش الجوي هي حماية المجال الجوي الوطني، والمشاركة بشكل دائم في حماية وأمن الحوزة الترابية للوطن مع تأمين الدعم للعمليات التي يقوم بها كل من الجيش البري والبحرية الوطنية، ويكلف بإنجاز مهام البحث والإنقاذ، كما يساهم في جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد، ويمكن أن يقوم بأي مهمة ذات طابع عمومي تسند إليه.
ينفذ الجيش الجوي مهام دائمة في زمن السلم، وهذه المهام هي:
أولا: المساهمة في الاقتصاد الوطني
1ـ دعم خزينة الدولة
ـ حماية ثروتنا السمكية من خلال مراقبة المياه الإقليمية الوطنية
ـ تغريم السفن من خلال رصد المخالفات
2ـ حماية المحصول الزراعي للبلاد من خلال:
ـ مكافحة آفة الجراد
ـ مكافحة الطيور
3ـ حماية الغطاء النباتي
مواجهة ظاهرة التصحر من خلال عمليات البذر الجوي
ثانيا: الجهود الإنسانية
ـ الإخلاء الطبي لصالح المواطنين على عموم التراب الوطني
ـ المساهمة في جهود مراقبة التلوث البيئي
ـ البحث والإنقاذ والتدخل في حالات الحوادث والكوارث الطبيعية
إن الدور الاجتماعي والاقتصادي والإنساني هو إذن من صميم مهمة سلاحنا الجوي، وهو بذلك يكمل دور قواتنا البحرية في بسط السيادة الوطنية على مياهنا الإقليمية من جهة ويمكن وزارة الصيد والاقتصاد البحري من تغريم السفن التي تخرق قوانين الصيد.
مهام سلاحنا الجوي أثناء الحرب
- الاستطلاع الجوي
- الدعم الجوي
- الاعتراض والبحث والإنقاذ
- نقل المؤن والعتاد والأفراد
- الإخلاء الصحي
- الإنزال المظلي
- إنزال القوات والعتاد
البحرية الوطنية
تمتلك بلادنا واجهة بحرية كبيرة، تمتد على مسافة 750 كلم من الشواطئ ومنطقة اقتصادية خالصة ممتدة على 200 ميل بحري تعتبر من أغنى المناطق بالأسماك إضافة إلى 700كلم على ضفة النهر، صالحة للملاحة، مما يشكل تحديا أمنيا واضحا من حيث المخاطر والتهديدات المحتملة.
وتتكفل البحرية الوطنية بضمان السيادة الوطنية في حدود المنطقة المنصوص عليها في القوانين الوطنية والدولية، وتأمين حماية المصالح الاقتصادية الوطنية في البحر وعلى الشواطئ، كما تكلف بضمان تنسيق عمليات الأمن والتأمين البحريين في المناطق التابعة لمينائي نواكشوط ونواذيبو، وتؤمن البحرية الوطنية أيضا الرقابة البحرية والنهرية، كما تساهم في جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد.
وتتمثل مهمتها الأساسية في ضمان الدفاع عن الحدود البحرية بالتعاون مع وحدات الجيش الأخرى وممارسة سلطة الدولة على المياه الإقليمية، مع ضمان احترام جميع قوانين الدولة المعمول بها على مستوى البحر وذلك بخصوص الصيد، الملاحة البحرية،الأمن، التعاون والحماية.
تعمل البحرية الوطنية على محاربة التهريب والهجرة السرية وحماية المنشآت البحرية ومحاربة التلوث البيئي البحري، والمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ البحري.
مشاة البحرية
هي تشكلة تم استحداثها لتوسيع مجال مراقبة البحرية الأمنية المائية، وهي النسخة البحرية من وحدات المشاة الخاصة المكلفة بمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهي قادرة على تأمين الشواطئ وتنفيذ عمليات مطاردة على اليابسة وفي عرض البحر، بفضل الزوارق السريعة والسيارات العابرة للصحراء وهو ما لم تكن السفن والزوارق الحربية قادرة عليه في السابق. وسيضع هذا الانتشار الذي من المقرر أن يشمل كل الشواطئ البحرية والنهرية حدا نهائيا لعمليات التهريب والمبادلات غير الشرعية التي كانت منتشرة على طول هذه الشواطئ.
لقد اقتضى واقع التحديث المستمر في الوسائل الدفاعية الوطنية إعادة النظر في المنظومة التكوينية العسكرية، نظرا لما يتطلبه ذلك من إدماج لمفاهيم مستحدثة تمكن من مواكبة التطور الهائل والمعقد الذي عرفته أنماط الحرب ووسائل العدو وخططه.
وقد تجسد هذا النهج على مستوى الجيش الموريتاني من خلال إقرار الأركان العامة للجيوش تفعيل المنظومة التدريبية العسكرية، واعتماد برامج تربوية غير مسبوقة، تهيئ الجندي الموريتاني لمواجهة مختلف التحديات، وتمكنه من خلال المعارف الحديثة والتمارين العسكرية المكثفة من التغلب على هذه التهديدات وكسب المواجهة.
وتجسد هذا النهج التكويني الجديد في ظهور كليات ومدارس عسكرية مهنية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
ـ كلية الدفاع لدول الساحل الخمس
ـ المدرسة العسكرية للطيران
ـ مدرسة أعوان الصحة
ـ الأكاديمية البحرية
ـ المدرسة العليا متعددة التقنيات
وبفضل هذه النقلة النوعية في وسائل الدفاع والردع تحول الجيش الوطني اليوم، إلى قوة إقليمية قادرة على المساهمة الإيجابية في جهود حفظ السلام والأمن والتنمية في القارة الإفريقية، وهو ما تجسد مؤخرا في النجاحات المشهودة لوحدات جيشنا الوطني التي شاركت في جهود حفظ السلام في جمهورية وسط إفريقيا، حيث شكلت مهمة كتيبة حفظ السلام الموريتانية الحالية في جمهورية وسط إفريقيا منعطفا هاما في المسيرة العسكرية لجيشنا الوطني، وفرصة لخوض تجربة عظيمة في مجال عمليات حفظ السلام، سيكتسب الجنود وضباط الصف والضباط من خلالها خبرة ثمينة، ستساهم دون شك في نجاح المهام المستقبلية لوحداتنا العسكرية خارج حدود الوطن.
لقد كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة، وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء، وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن، ولسوف يظل على هذا النهج...