سأحاول من خلال هذا العرض الموجز أن أفتح بابا لبدء مناقشة موضوع يهم كل مواطن ويمس حياتنا جميعا بشكل مباشر كجنود في صفوف القوات المسلحة، آملا أن يكون بداية لتبادل معرفي قد يساهم في التوعية حول مفاهيم الدولة على صفحات مجلتنا.
والموضوع باختصار يتعلق بالأمن الوطني وسياسة الدفاع الوطني، وذلك باعتبار الدفاع تجسيدا لمفاهيم الأمن الوطني، وسوف اكتفي هنا بمحاولة إبراز أهم التعاريف الحديثة للأمن الوطني ولسياسة الدفاع.
أدت المتغيرات المتسارعة في العالم من حولنا وما تشمله من سرعة تداول المعلومات وإيصالها والانفتاح الكلي على الآخر بسبب ثورة التكنولوجيا إلى تجاوز حدود الجغرافيا الإقليمية الضيقة، إلى رحابة العولمة مما جعل الكون أشبه بالقرية الواحدة، فلم تعد الدولة قادرة على الانعزال والعيش منفردة بعيدا عن التفاعلات العالمية محصنة نفسها بالشك الأمني، بل أصبحت تتأثر بالمتغيرات الداخلية والخارجية على حد سواء، وليست الجمهورية الإسلامية الموريتانية إلا جزءا من هذا العالم الواسع تسعى للمساهمة في جعله أفضل وأكثر أمنا ويسود الاستقرار والسلام كافة إرجائه، من خلال البعد العالمي والإسلامي والقومي وضمن الإمكانيات والموارد المتاحة لها.
يحيل مفهوم الأمن الوطني في مدلوله الواسع إلى توجيه كافة طاقات العناصر والقوى الوطنية " القوى الاقتصادية، القوى الاجتماعية، القوى الجغرافية، القوى النفسية، القوى العلمية ...الخ" أو القدرة الحربية بما فيها السياسة الخارجية والداخلية لتأمين وحماية المصالح الأمنية الحيوية للأمة من التهديد الخارجي والداخلي، وتنبع السياسة الدفاعية بشكل طبيعي من سياسة الأمن الوطني، وتعطي دلالات وتوجيهات لتطوير واستخدام الأداة العسكرية الكاملة للبلد.
ويمثل الأمن الوطني الموريتاني الركيزة الأساسية في بناء بيئة وطنية سليمة وقوية، تتطور وتتغير تبعا لتنوع التهديدات والبيئة الدولية والإقليمية والموارد المتاحة، من أجل المحافظة على استقرار وسلامة الجبهة الداخلية وحماية حدود الدولة من أي أخطار خارجية. وتعتبر القوات المسلحة الضمان القوي لأمن وإسقرارالدولة الموريتانية، كما أنها الداعم الرئيس لباقي عناصر قوة الدولة. لذلك ستظل السياسة الدفاعية وما يواكبها من تطوير وتحديث للقوات المسلحة الهدف الأول للقيادتين السياسية والعسكرية، فالسلام والديمقراطية والتنمية بحاجة إلى مناخ آمن وسياج قوي لحمايتها وترسيخ مفاهيمها في المجتمع.
فالسياسة الدفاعية مجموعة من الآراء والأفكار والمفاهيم العلمية المدروسة التي تتناول طبيعة الحرب وإعداد وتطوير القوات المسلحة لتحقيق الهدف الوطني بالاستناد إلى التوجيهات والدلالات التي ترد في سياسة الأمن الوطني، للمحافظة على أمن واستقرار الدولة وكيانها السياسي وتعتبر انعكاسا لسياسة الدولة في المجال العسكري وقد تقود بعض السياسات الأخرى.
وتعتبر السياسة الدفاعية عنصرا رئسا في الأمن الوطني وتدعم البدائل السياسية للدولة، وهي الضامن الأساسي للحفاظ على أمن واستقرار الدولة بجميع مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والقوات المسلحة التي تنفذ السياسة الدفاعية ما هي إلا واحدة من الوسائل المستخدمة في تنفيذ سياسة الدولة ودعمها، وتنبع من سياسة الأمن الوطني الكلي للدولة.
وترتكز السياسة الدفاعية الموريتانية على بناء قوات مسلحة ذات كفاءة وقوة مناسبة لمواجهة المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية. ولا تقاس قدرة القوات المسلحة لأي دولة بكبر حجمها ولكن بقدراتها التقنية وكفاءتها القتالية ووجود كفاءات قادرة على التخطيط الاستراتيجي، لتنفيذ جميع المهام التي قد تكلف بها.
فالقوات المسلحة بعيدة عن التخطيط السياسي وولاؤها للقيادة السياسية التي تتبعها ولها بصمات بارزة في المساهمة في تنقية سياسات الدولة. وتوضع السياسة الدفاعية من قبل رئيس الجمهورية، كما جاء في المادة 30 من الدستور الموريتاني "يحدد رئيس الجمهورية السياسة الخارجية للأمة وسياستها الدفاعية والأمنية ويسهر على تطبيقها" وعند وضع السياسة الدفاعية الوطنية فإنه لا تغيب عن ذهن وفكر المخططين الإستراتيجيين العوامل المهمة التالية:
*الأمن الوطني قضية مركزية للدولة والمجتمع
*الاقتصاد الوطني اقتصاد نامي ومحدود الموارد والإمكانيات
*العلاقة الوثيقة للأمن الوطني مع إمكانيات السياسة الخارجة
*العلاقة الوثيقة ما بين الأمن الوطني والتركيبة الاجتماعية الوطنية
*الطبيعة الجيوبولتيكية الموريتانية وحساسية الموقع نسبة إلى التهديدات الخارجية
هذا مجرد استعراض موجز لمفهوم الأمن الوطني وسياسة الدفاع الوطني، ومحاولة إسقاط معاني ودلالات المفهومين على الواقع المحلي، راجيا من الجميع الإدلاء بمشاركاتهم، علنا نساهم في دراسة السياسة الدفاعية الوطنية وتعزيز قدرتها على مواجهة التهديدات والتحديات وتحقيق متطلبات المصلحة الوطنية وترجمتها إلى أهداف عسكرية.
عقيد محمد ولد محمد الأمين أبات
التاريخ 2007/4/01