يؤدي تعدد النزاعات المسلحة إلي انتشار الأسلحة الخفيفة التي تشمل الأسلحة النارية والذخيرة والألغام المضادة للأفراد والقنابل اليدوية. كما يؤدي تواجد الأسلحة واستخدامها بصورة فوضوية إلي حالة عامة من عدم الأمن، كما تشكل حقلا خصبا لنمو الجريمة المنظمة والاتجار بالممنوعات على نطاق واسع.
ولهذه الظاهرة أسباب متعددة، لكنها تعود في العموم إلى تخلي الدولة وتراجعها أمام المطامع الأنانية الخاصة.
عندما لا تكون الدولة قادرة على توفير الأمن العام يزداد العنف والجريمة المنظمة بصورة عالية، مما يستدعي أن يبحث كل فرد عن سلاح لتوفير أمنه وأمن ذويه وممتلكاته. ويتزامن ذلك عادة مع تسيب في الإجراءات القانونية والإدارية، وهكذا ندخل في دوامة لا تنتهي، تبدأ بانتشار الأسلحة وما يلازمه من عدم الأمن، وهو ما يولد بدوره سباقا محموما لاقتنائها وازدهار تجارتها. وقد لاحظنا عبر العالم وفي النزاعات المسلحة الداخلية أن الأسلحة الخفيفة تشكل أكثر من 90% من وسائل القتال المستخدمة.
الأسباب
لعل من أهم الأسباب المباشرة لانتشار ظاهرة تعاطي الأسلحة مواقف بعض الحكام الذين يواجهون نزاعات أو تمردا داخليا، حيث يلجأون إلى مد الفئات الموالية لهم بالأسلحة، لقاء الحصول على امتيازات غير شرعية أو المحافظة عليها، وقد لا يفكر هؤلاء الحكام في تداعيات هذه الإجراءات التي ستجعلهم لاحقا رهينة لابتزاز محمييهم، وفي نهاية النزاع تدخل هذه الأسلحة السوق السوداء لتغذية الجريمة المنظمة والإرهاب (قطاع الطرق- الاختطاف- الغارات- الإعتيالات...) وتساعد الحدود المفتوحة، وغياب المراقبة على ازدهار تجارة الأسلحة عبر الحدود، وهو ما قد يؤدي إلى استفحال خطر نشوب الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية.
إن التسيب والرشوة السائدين، وغياب الوازع الوطني لدى إدارات الدول الفقيرة هي من أهم العوامل المساعدة على انتشار الظاهرة، وقد يصل الأمر في أحيان كثيرة إلى تنظيم مزاد علني لبيع التجهيزات العسكرية والأسلحة الخفيفة والذخيرة في أماكن معروفة من المدن ...وبغض النظر عن مدى جودة هذه الأسلحة إلا أنه بمقدور أي كان الحصول عليها واستخدامها.
كما أن الخصائص الفنية والقتالية للأسلحة الخفيفة تساعد كثيرا على انتشارها. كسهولة استخدامها وتخزينها،وحجمها، ووزنها الخفيف،وطول عمرها النسبي وكذلك سعرها الرخيص،فمن السهل مثلا الحصول على بندقية كلاش نيكوف بعشرين دولارا،وهو سعر 50 كلغم من الذرة الصفراء، كما أن بالإمكان الحصول على لغم مضاد للأفراد بدولار واحد بينما يكلف نزعه عشرين دولارا.
من جهة أخرى فإن سرقة الأسلحة وضياعها داخل القوات النظامية، قد شكلت دائما مصدرا لا يستهان به لتموين السوق من هذه الأسلحة،فحسب التقديرات تبلغ كمية الأسلحة الضائعة والمفقودة في هذه القوات مليون قطعة سنويا، في الوقت الذي تصدر المصانع 8 ملايين قطعة. كما ينضاف إلى ذلك 640 مليون قطعة متداولة حاليا في العالم، مما يجعل معدل امتلاك الأسلحة يساوي قطعة لكل عشرة أفراد تقريبا.
ويلاحظ في السنوات الأخيرة انتشار متزايد لأسلحة تعود لجيوش أوربا الغربية، ويرجع ذلك إلى سعي هذه الدول إلي امتلاك أسلحة أكثر تطورا وفاعلية، فأصبحت تتخلص من أسلحتها القديمة بدون مبالاة ولا اهتمام بمن ستؤول إليه هذه الأسلحة لتسقط في النهاية في أيدي منظمات تخريبية تهدد الأمن والاستقرار في دول العالم الثالث.
النتائج
قد يشكل انتشار الأسلحة خطرا أكبر من الأوبئة والكوارث الطبيعية على بنية المجتمعات وتماسكها وخاصة في الدول النامية حيث تقوض هذه الظاهرة النظام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ويقضي عدم الاستقرار المزمن على الاستثمار والنمو ويطرد باستمرار رؤوس الأموال الأجنبية.
ويقف انتشار الأسلحة عقبة كأداء في وجه النمو الاقتصادي وتنتشر البطالة والأمية، لإفساح المجال أمام عصابات الجريمة المنظمة وحملة الأفكار المتطرفة الذين يستهدفون بالخصوص الشباب المراهقين الذين هم عرضة أكثر من غيرهم للسقوط بين براثن هؤلاء المتربصين و الفاسدين، وبين قوة هذه العصابات وتغلغلها في أجهزة الأنظمة الحاكمة وغياب المحاسبة وتعطل القوانين تتعرض المجتمعات التقليدية للتفكيك والتحلل، نظرا لهشاشة بنيتها وحداثة عهدها بنمط الحكم السلالي الأبوي والولاء لرئيس القبيلة أو الشيخ.
ومع تراجع قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها اتجاه الفرد والأسرة، تنمو بالمقابل وتتعزز سلطة بعض الأقطاب الذين أفرزتهم حالة الفوضى وانعدام الأمن داخل الأحياء أو المدن. ويعتبر تجنيد الأطفال الملحوظ في التسعينات من القرن الماضي بإفريقيا وتصرفاتهم البشعة مظهرا من مظاهر انحلال المجتمعات التقليدية ونتيجة مأساوية لما قد يحدثه انتشار فوضى الأسلحة. أما على المستوى الثقافي فيكفي أن نسمع الألقاب وأسماء الشخصيات المتخذة مثالا والتي اختارتها بعض المجتمعات المسلحة للوقوف على مدى الانحطاط الثقافي لدى هؤلاء الأطفال المقاتلين، الذين لم يعرفوا في حياتهم سوى الحرب، بحيث يمكن أن ينتهي أي شجار بحمام دم إذا لم يصل إلى صراع عرقي كما رأينا سابقا في مناطق عديدة من إفريقيا. وقد صادفتنا في بعض المدن حقول رماية تتوسط أحياء الضواحي والرماة منهمكون في رمايتهم وفي جهل تام لأبسط إجراءات الأمان. وقد تشترك مجموعات أو مناطق أو أعراق في هذه الرمايات وكثيرا ما يضعون رهانات: ساعات-إذاعات-حيوانات – وحتى مبالغ كبيرة وقد يستحيل ابسط خلاف أو اعتراض على النتائج في هذا الجو المشحون إلى معركة حقيقية بالذخيرة الحية.
وتستمر الآثار المدمرة للنزاعات على الشعوب مدة طويلة، وأقل هذه الآثار الحوادث المأساوية اليومية كانفجار لغم في حقل زراعي أو على طريق مدرسة.
الحلول
لابد أن يتصدر موضوع تهديد انتشار الأسلحة أولويات واهتمامات الحكام، فحسب الخبراء فإن 90% من الدول النامية هي في دائرة الخطر مما يستدعي خلق نظام فعال للسيطرة على تداول الأسلحة وينظم طرق الحصول عليها ويرخص امتلاكها ويحدد ظروف استخدامها. وينبغي أن تتشكل الإرادة السياسية لذلك بوضع إطار قانوني رادع يسعى إلى ججتقليص امتلاك الأسلحة والاتجار بها على أدنى حد، مع اتخاذ عقوبات صارمة ضد من تسول له نفسه مخالفة القانون ويمكن لهذا الإطار الاستئناس بالإجراءات التي اتخذها بعض أصحاب القرار ممن عاشوا الظاهرة وبعضهم يوشك أن يكسب الرهان للحد من الآثار السلبية لهذه الظاهرة وذلك باتخاذ الإجراءات التالية:
*القيام بحملة إعلامية وقائية شاملة للتحسيس بمخاطر الظاهرة ومحاربتها والقضاء على سباق التسلح
*سحب تراخيص الأسلحة المتداولة مؤقتا أو بصورة نهائية مع إحصاء هذه الأسلحة وتحديد أماكنها والمسئولين عنها.
*المنع التام للاتجار بالذخيرة فالأسلحة بدون ذخيرة لا تشكل خطرا.
*سن قوانين صارمة متعلقة بحمل واستخدام السلاح واعتماد إجراءات قاسية ضد الأشخاص المعنيين بنقل وحيازة واستخدام الأسلحة خارج إطار القوانين المعمول بها.
*التفتيش المفاجئ لثكنات القوات المسلحة(مستودعات الأسلحة والذخيرة)
*جمع وتدمير الأسلحة المتقادمة لدى القوات المسلحة النظامية أو الميليشيات والمحاربين المسرحين.
*فتح حملات للرماية على الأهداف في أماكن وحقول رسمية ومعينة لهذا الغرض.
*فتح محلات في هذه الأماكن لبيع الذخيرة التي توشك على انتهاء الصلاحية والمخصصة للرماية على الأهداف فقط.
رائد ديكي باتيلي
مجلة "أخيار الجيش" العدد 3