موقف من التراث والتاريخ

تراثنا ليس تاريخا مضى ولا أكفات موتى ولا قيودا تشد الحاضر على ماض سحيق،وإنما هو لهب حي وطاقة خلاقة سارية في عقل الامة ووجدانها."

من خلال ظلال هذه الكلمة التى تنغرس في الذاكرة الجمعية لكل مؤمن بدور العقل الفعال في بلورة الوعي بالتاريخ رغم المتغيرات حفاظا على ثوابت الامة،ساحاول في هذا المقال بشيء من التركيز أن أوضح ملابسة خطيرة مكنتها في ساحة الفكر الثقافية بتعدداتها المختلفة حركة الإستشراق بكل مشتقاتها منذ عصر النهضة الحضارية حتي اليوم.

من خلال هذه الكلمة التى تعد جامعة مانعة بكل المقاييس وفي نفس الوقت حجة على أي من الفرقاء سواء كانوا من المقلدين للغرب قضا وقضيضا أو من الرافضين له شكلا ومضمونا أو من المحاكين له في بعض الجوانب السلبية ،فإن الباحث المتروى والمحكوم بمبادئ البحث العلمي الهدف الى تاصيل الأصيل وتكريس الرؤية المشرقة والمؤمنة بأن هذا الكون بجملة من القوانيين التى لاتقبل التحريف والتبديل ايا كانت الظواهر الإجتماعية والطبيعية وما يطرح ذلك من إشكالات يندهش إزاءها الإنسان ـ إن هذا الباحث في الحقيقة تترآىله الملابسة التالية .

ضبابية وغموض يحوم حول مفهوم التطور وإستعجال التقدم ...

هذه الحالة جعلت بعض المهتمين بالتطور والتقدم ينحرفون في مسلكياتهم الفكرية بالمعني الوسع للكلمة مغازلة لأنماط فكرية نمت في بيئة غير التى ترعرع فيها هؤلاء خلافا للمقتضيات المنهج القويم الذى ينحاز الى فكرة سائدة وسليمة تقول بإنتقال الفكر لانقله. وثمة سر في هذا المنهج أن الملتقى للفكر ايا كان يجب ان يلتزم بكينونته المادية والمعنوية وليس في ذلك ضير بل إنه هو الاقوم والأسلم والأنفع.

وفي هذا السياق فإن المطلوب اصلا في مسالة الأخذ من الغير هو الإلتزام بعقل الأمة ووجدانها الذي لم ينحرف في يوم من الأيام عن خذا المنهج ولم يفرط فيه مع سعة صدر وقدرة على التلقى والحوار مع الآخر، ولنا في حضارتنا شواهد كثيرة لايتسع المجال لذكرها في هذا المقامذ.

وهنا لاأقصد بالمرة بعض التطبيقات النشاز عبر الخط البيانى للحضارة العربية الإسلامية في مداها وجزرها، سلبا واجابا وإنما أسلط السهم على بعض التاملات التى عجزت عن قراءة تراث الآخر ومعرفة حيثياته وما فيه من مفارقات في كثير من جوانبه الفكرية قد تكون مقصودة احيانا أو قد تكون حاجة في نفس يعقوب أو لسبب آخر ؟ ؟

ففي مبادئ دراسة المعرفة وأصول الفكر نجد أن الثقافة الإنسانية بمفهومها الفلسفي الشامل الذي نحن جزء من روافده تعد متعددة وواحدة وفي بعض الأحيان تطغي على شعور الفرد الواعي بهذه المبادئ دون أن يعي...وليس من التقدم والتطور في شيء أن يهجر الناس معين حضارتهم وتاريخهم تاسيسا بغير كان وما يزال ينهل من حضارتنا بعقلانية لامتناهية حتى هذه الألفية الثالثة.

وليس منالتقدم والتطور في شيء أن ينعزل الناس عن تيار العولمة الطاغي بحجج واهية دون الإحتكام الى عاملى التأثير والتأثر اللذان يعدان فيصلا فاصلا في تجاوز الجمود والانعزال وكبح جماح الإنحراف التزاما بالمنهج القويم.

ولكي لاتفهم رؤيتي الا ستقرائية للتاريخ علي أنها ضرب من التنكر للاخر فإني اقول بكل مسؤولية إن الاسلام ـ مرجعية الأمة ـ هو ذلك "التصور الرباني " للمنزلة البشرية القادر على التكيف والتفاعل والتكامل مع اوضاعها التاريخية في مطلق الزمان والمكان.

وهذه الرؤية للإسلام ظلت وماتزال هي نقطة الارتكاز لأي تفكير سليم يرد به على من لم يؤتي ذوقا سليما ولاعقل يميز به بين معتل الأشياء من صحيحها.

وطبقا لهذا المنهج فإن الأخذ باسباب التطور والتقدم من أي مكان في الدنيا لاينكره إلا مكابر بل أكثر من ذلك فهو واجب وفرض عين يقتضيه استخلاف الأدمي في الأرض وهذه هي الطاقة الخلاقة التى ينبغى أن تظل سارية في عقل الأمة ووجدانها .


مقدم الحسن ولد مكت

("مجلة أخبار الجيش" العدد 23)

أربعاء, 08/08/2012 - 11:08

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك