ظاهرة الإرهاب الأصل والدوافع

تشير دراسات عديدة إلى أن كلمة "إرهاب" باتت الكلمة الأكثر استخداما في وسائل الإعلام العالمية والأكثر جدلا على المستوين السياسي والفكري وذلك منذ أحداث سبتمبر 2001.

ورغم الاستخدام الواسع والاهتمام المتزايد بالكلمة فان دول وشعوب العالم لا تزال عاجزة عن إعطائها تعريفا دقيقا، محددا ومقبولا من طرف الجميع مما تولد عنه فهم متباين لتعريف الظاهرة التي أصبحت تعرف اصطلاحا "بالإرهاب".

إن ظاهرة الإرهاب كمظهر من مظاهر العنف وردة فعل يائسة لا يمكن لعقل بشري سوي أن يقرها مهما تعددت أسبابها وتشابكت لكن غياب صيغة دولية صريحة تميز بينها وبين "المقاومة" يدفع إلى تفهم بعض الأعمال التي توصف بالإرهابية بوصفها وسيلة لانتزاع حقوق تقرها المواثيق والأعراف وتعجز العدالة الدولية عن تحقيقها،وظاهرة الإرهاب ظاهرة بغيضة وهي قديمة حديثة يستدعي فهم كنهها بمختلف ..لكنني سأحاول من خلال المقال الثاني الوقوف على أصل الكلمة من الناحية اللغوية والتاريخية مع التعرض لبعض تعارفها العديدة وذلك قبل الانتقال إلى ما يرى الكثير من الباحثين أنها أهم أسبابها.

كلمة "إرهاب "لغويا من الفعل ارهب وتعني خوف وفزع ونفس المعنى يدل عليه الفعل "رهب" في حين تدل الأفعال "ترهب"و"رهب"على الانعزال والانقطاع والعبادة بالنسبة للأول وعلى الخوف من الشيء واجتنابه بالنسبة للثاني .

وإذا كانت المصادر الدينية والتاريخية لم تحدثنا عن أي نوع من أنواع العنف قبل قتل قابيل لهابيل فإنها حدثتنا عن العديد من أعمال العنف التي ارتكبت بدوافع وتحت ذرائع مختلفة في العهدين البيزنطي والروماني ومن أعمال الصعاليك في الجاهلية،وعمليات الاغتيال الديني والسياسي والمذهبي في صدر الإسلام التي استهدفت قادة الدولة الإسلامية الناشئة

وفي عهد محاكم التفتيش الاسبانية لكن المؤرخين في ذكرهم ووصفهم لتلك الأحداث لم يوردوا كلمة "إرهاب"البتة .

ولهذا يرى بعض الباحثين أن الكلمة ولدت في الغرب وخاصة في فرنسا وأنها كانت تعني نوع الحكم الذي انتهجته الثورة الفرنسية ضد خصومها الملكيين والإقطاعيين مما نشأ عنه ما أصبح يعرف ب "تحكم الرعب"و أن إقرار الثورة الفرنسية بكافة حقوق الإنسان والشعوب وتعاملها اللا إنساني مع معارضيها من ملكيين وإقطاعيين وتعاون الأمريكيين مع الهنود الحمر على الرغم من اعترافهم الصريح بحق الشعوب في المقاومة شكلا أول خلفية فكرية تتسم بالغموض وعدم العدالة في التعامل مع ما أصبح يعرف بالإرهاب خاصة من حيث التعريف والدوافع .

لم يلق أي تعريف للإرهاب إجماعا ولا قبولا من قبل الدول والشعوب والمنظمات وظل كل على حدة يعرفه حسب هواه وما يخدم مصالحه،وفي انتظار التوصل إلى تعريف يضع حدا للتلاعب الدولي بهذا الخصوص يبقى التعريفان العربي الإسلامي للإرهاب من جهة وتعريف الأمم المتحدة وأمريكا وبعض المنظمات العربية له من جهة أخرى الأهم من بين التعاريف الدولية العديدة.

حيث يعرف مجمع الفقه الإسلامي الإرهاب بأنه "العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا علي الإنسان " دينه،دمه ،ماله وعرضه " وانه يشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وقطع الطريق وكل فعل من أفعال العنف يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو ممتلكاتهم أو حريتهم للخطر.

ويقسم علماء مسلمون آخرون الإرهاب إلى نوعين :

إرهاب ممدوح ويعنون به "إحداث الخوف والفزع عند من تجوز إخافته شرعا بالقدر الذي يردعه عن العدوان والظلم" وإرهاب مذموم ويعني عندهم " تعمد إحداث الخوف والفزع والرعب لدى من لا تجوز إخافته شرعا ممن صان الشرع حرماتهم:

أما جامعة الدول العربية فتعرفه من خلال الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة سنة 1998 بأنه "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي يكون هدفه إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.

وقد حاولت لجنة من الخبراء العرب قبل ذلك في سنة 1989 بتونس وضع تعريف يكاد يكون الأكثر وضوحا وشمولية للإرهاب من بين كل التعاريف الأخرى وينص على أن الإرهاب هو "فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد به يسبب فزعا أو رعبا من خلال أعمال القتل أو الاغتيال أو حجز رهائن أو اختطاف طائرات أو تفجير المفرقعات مما يخلف حالة من الرعب والفوضى والاضطرابات الذي يستهدف تحقيق أهداف سياسية سواء قامت به دولة أو مجموعة أخرى من الأفراد وذلك في غير حالات الكفاح المسلح الوطني المشروع "مقاومة " من أجل التحرير والوصول إلى حق تقرير المصير في مواجهة جميع أشكال الهيمنة.

أما الأمم المتحدة فتعرفه بأنه شكل من أشكال العنف الناشئة عن حالات خيبة الأمل والشقاء والشعور بالغبن وبلوغ حد اليأس الذي يدفع أناسا إلى التضحية بأرواح بشرية من بينها أرواحهم بمحاولة لإحداث تغيرات أساسية. وترى وزارة الدفاع الأمريكية البيتاكون أن الإرهاب هو أي استعمال غير قانوني لأعمال العنف أو التهديد باستخدامها ضد الأشخاص والممتلكات بهدف إشاعة الرعب وإجبار الحكومة أو الشعب على أمر ما وبالتالي تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو إيديولوجية ولا يبتعد حلف الشمال الأطلسي كثيرا في تعريفه عن التعريف الأمريكي للإرهاب حيث يعتبر " أنه القتل والخطف وإشعال الحرائق وما شابهها من أعمال عنف جنائية بغض النظر عن الأسباب والمواقع التي تقف وراء القائمين بتلك الأعمال.

من هنا تبرز أكبر وأهم الصعوبات التي قد تواجه المرء أثناء محاولته التمييز بين "الأعمال الإرهابية"كأعمال سيئة،مرفوضة ومدانة وبين "أعمال المقاومة كأعمال بطولية وحق مضمون بموجب الأعراف والمواثيق الدولية إذا كان تعريف الإرهاب لا يزال عصيا فإن الأسباب الكامنة وراءه لا تزال موضوع الكثير من النقاشات والجدل هي الأخرى وإن كان الكثير من الباحثين يرجعون أهم أسبابه إلى أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ويرون من الناحية السياسية أن انعدام أي مرجع أو معيار يمكن للإنسان من خلاله أن يحكم على الأشياء بشكل قطعي ويحدد ما إذا كانت حقا أو باطلا وازدواجية المعايير التي تتعامل به العدالة الدولية ممثلة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن مع بعض القرارات بحماسة وتقاعسهما وعجزهما عن التعامل بنفس الحماس مع قرارات أخرى أفقدت شعوبا كثيرة عبر العالم الإحساس بالعدل والإنصاف وبالتالي فقيمة العنف المتصل بمقاومة الاحتلال وما يتصل به وفتحت الأبواب للكثير من التأويلات التي أدت إلى ظهور فكر يدعو إلى المواجهة كحل بديل للخضوع لإرادة الغير كما يرون أن الضغوط الاقتصادية التي تمارسها الدول الغنية ضد الدول الفقيرة هي الأخرى وسياسات الحرمان والتهميش والغبن وعدم توزيع الثروات الوطنية بعدالة من قبل بعض الدول والأنظمة تشكل بدورها أسبابا ساهمت بشكل مباشر في تشكيل فكر احتجازي لدى العديد من الأفراد خاصة المنحدرين من الطبقات الفقيرة وأن ظهور تيارات علمانية تدعوا إلى بناء الحياة الاجتماعية على أسس دنيوي بحت بعيدا عن الموروث الديني للشعوب خاصة العربية والإسلامية كان أحد العوامل التي ساعدت في ظهور تيار ديني يرى أن المدينة الحديثة مفسدة لأخلاق المجتمعات والاقتصاد وأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن ليسا إلا أداتين طيعيتين في أيدي دعاة هذه المدينة وأن العودة إلى أصول الدين هي وحدها الكفيلة بإقامة العدالة واستعادة الحقوق الضائعة وقد أدت القراءات الفقهية للتيار الأخير وتعنت دعاة العلمانية إلى مواجهة مفتوحة قد تأخذ شكل صراع عقدي إن لم تكن قد أخذته فعلا فعجز الأمم المتحدة وتحيز مجلس الأمن ووقوف الولايات الأمم المتحدة بشكل خاص والدول الغربية بشكل عام إلى جانب إسرائيل منذ أزيد من62 سنة ووصفهم للعمل الفلسطيني المشروع بأنه عمل إرهابي وللإرهاب الذي تمارسه إسرائيل بأنه دفاع عن النفس كمثال من بين ألاف الأمثلة كلها أسباب ساهمت ولا تزال تساهم في تقوية موقف دعاة المواجه في مقابل موقف الرافضين لها الداعين إلى مواقف أكثر عقلانية ولا يمكن في هذا المقام تحرك ظاهرة الجريمة المنظمة بمعزل عن أسباب الإرهاب الأخرى لما تحدثه من فساد للدول والشعوب والمتتبع لما يشهده العالم اليوم من أحداث إرهابية لابد أن يدرك خطورتها البالغة على أمن وسلامة المجتمعات وما تمثله من تهديد قابل للتطور بالنسبة للسلم والأمن العالميين الشيء الذي يتطلب وقفة تأمل وتركيز للبحث في الأسباب العميقة للظاهرة بمختلف أشكالها والتعامل معها على أنها هي أصل المشكل وأن معالجتها موضوعية وإنصافهما وحدهما الكفيلان بوضع حد لمعانات الملايين من ضحايا أشكال الإرهاب العديدة وختاما لا يفوتني التذكير بأن العلاج الأمني للإرهاب مهما توفرت له من الإمكانيات المادية والبشرية لن يكون إلا مؤقتا لأن العقل البشري قادر على التكييف والتعامل مع كل المستجدات وأن الأشخاص الذين يستنكرون الأعمال الإرهابية اليوم قد تعجبهم تلك الأعمال غدا وربما شاركوا فيها بعد غد لهذا يجب خلق وعي عام بخطورة أنواع الإرهاب ومعالجة مسبباتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالتزامن مع بناء قوة أمنية وعسكرية رادعة لأن النفس البشرية بعيدا عن الأسباب السالفة الذكر تظل أمارة بالسوء .


المقدم محمد ولد المصطفى السخاوي

("مجلة أخبار الجيش" العدد 22)

جمعة, 03/08/2012 - 20:22

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك