قديما وحديثا يقال : ( خير خلف لخير سلف)، وهو ما تعتمد عليه الشعوب والمجتمعات، ليس في تحديد هويتها فحسب، وإنما في تقرير مصيرها كذلك، مما يسمح لها بقتل عدة عصافير بحجر واحد، حين تسير بخطى ثابتة على درب الآباء والأجداد، مدركة باليقين أن خلف اليوم هو لامحالة سلف الغد.
ويتعزز الموقف حسنا، عندما تتحلى هذه الشعوب بالحكمة والأخلاق الحسنة، والتسامح الطيب بين أجناس مجتمعاتها، بآمال مستقبل حسن، وحافل بالعيشة الكريمة لأبنائها، وشبابها، صاحب زمام الأمور والمتحكم فيها فيما بعد. الشيء الذى لن يتم الا بأخذ العبر والموعظة من الماضي وأحداثه، والحاضر ونكباته، والإحساس بالمسؤولية، والإيمان كل الإيمان بالإنتماء الى الوطن العزيز، مع الوقوف صفا واحدا أمام تحديات الزمن، وفهم زمن التحديات.
ولكي تكون الرؤية واضحة يمكن لأي واحد منا أن يعلق آماله عليها، يجب على الشباب أن يتمتسك، ويبتعد عن المحسوبية، وأن ينفض عنه غبار الإستعمار والتبعية، بل يرفض أن يكون عصى يلوح بها من أراد، وفي أي وقت أو ظرف تسنى له ذلك، وأن يحافظ على تراثه، ويعتني بما تم إنجازه، فهو بذلك يسير على خطى أسلافه، خاصة أننا نكاد نتفق، بل نجزم أن سلفنا كان بخير، مبشرا بالرسالة المحمدية، ومدرسا لتعاليم الدين الإسلامي، ومثقفا في مبادئ الأخلاق الحسنة، ومنبرا للطريق المستقيم. وذاك ما ورثه عن من سبقه، ومن كان حافظا لسره ومقامه، حذو الرجال علي الرجال نعالها.
ونقطع الشك باليقين أن أسلافنا قاوموا الإستعمار بكل ما أوتوا من قوة، وعلينا ن نفهم أنهم ساهموا في ذلك بمختلف أجناسهم وألوانهم، ولم يدخروا جهدا من أجل أن تبقى البلاد حرة مستقلة، ويرى المتتبع لخطوات الاحتلال الأجنبي للأراضى الموريتانية، والمراحل التي مرت بها المقاومة العسكرية، والتي يمكن تقسيمها على النحو التالي: ـ المرحلة الأولي 1903 – 1905
ـ المرحلة الثانية 1906 – 1912
والمرحلة الثالثة ( 1912 – 1934 )، يرى أن أبطال المقاومة ألحقوا خسائر فادحة بالعدو، على الرغم من الإمكانيات البسيطة والعتاد العسكري المتوضع، مقارنة مع قدرات المستعمر، ذلك لالتفافهم تحت قيادة الأمراء الذين تحولوا إلى قادة جيوش في المعارك، وأبلوا بلاءا حسنا، سجلته أنامل الأعداء وأعترف به قادتهم.
ومن جهة أخرى، فقد لعب الجانب الديني والثقافي دورا بارزا في توعية المواطن بخطورة الإحتلال، وضرورة محاربته، سواء تعلق الأمر بالفتاوى الشرعية، أو القصائد الشعرية باللغة العربية أو باللهجات المحلية.
وعلينا أن نستنتج الدروس والعبر من تلاحم أبناء الوطن الأبطال البررة، الذين لولا كفاحهم لما وصلت موريتانيا الى هذه المرحلة، وأن يظل هؤلاء الأبطال والقادة، المواطنين البسطاء في أذهاننا، وأمام أعيننا، لنحافظ على التراث القيم الذى تركوه لنا، والذى يمكن ترجمته مع أنه واضح في: (حب الوطن ) والإيمان بوحدته وتآلف أفراده، خاصة أن المقاومة هي دفاع عن الكيان والسيادة، وأداة تمثل جزءا حيا من ذاكرة الشعوب، وركنا من أركان المجتمعات.
ومن هنا فمن واجب الجميع زوع التمسك بوحدة هذا الوطن العزيز، وذلك بالتنبيه إلى أهمية الحقب التاريخية التي مرت بها البلاد، ومن بينها الحقبة الإستعمارية التي تظهر من خلالها أهمية القاومة الباسلة، كما على السلطات أن تساعد الأجيال على استحضار هذه الفترة من تاريخ البلاد دائما، وخير ما نقلد فيه السلف بالتمسك بمبادئ المقاومة الوطنية، بتخليد أبطالها، والإكثر من تسمية الأماكن بأسماء هؤلاء الأبطال، ممن ساهم فيها عسكريا ودينيا وثقافيا، ( الشوارع الهامة، الساحات العمومية، والدور والمؤسسات التعليمية ... الخ )، وتسمية الدفعات المتخرجة من الجيش والأمن بأسمائهم، هذا بالأضافة الى بناء نصب تذكاري للجندي المجهول، والذى يرمز للمواطن الموريتاني الذى حارب من أجل حرية الوطن، سواء سجل التاريخ له ذلك أم لم يسجله فهو موجود، قبل من قبل وأبى من أبى، حتى نجعل الأجيال تعيش الأحداث التاريخية الماضية في واقعها المعاش، وبالتالي تتوارثه بشكل سيستماتيكي.
الدكتور بتار ولد العربي
أستاذ التاريخ بجامعة نواكشوط
التاريخ 2011/07/01