دور الإعلام في الحرب المعاصرة

أصبح عالم اليوم قرية واحدة، بفعل ثورة الاتصالات التي اختزلت المسافات وحررت الصورة والكلمة، لقد أضحت المسؤولية أكبر وأعظم، عند ما يتعلق الأمر بتمييز سيل المعلومات التي تقذف بها وسائل الإعلام يوميا، وهو ما يعكس جسامة المهمة الملقاة على عاتق القائد العسكري ورجل الدولة على حد سواء، في سعيهما من أجل توجيه دفة الصراعات الحديثة، وتحقيق المكاسب السياسية التي تحفظ مصالح الأمة، وتضمن لها مكانة لائقة بين الأمم.

خلال تاريخها الطويل، الذي بدأ عمليا مع ظهور الإنسان، حظيت الجهود الحربية بدعم نشط وحثيث من طرف وسائل الإعلام، قبل بدأ العمليات وخلال سيرها وحتى بعد انتهائها. وكان الأثر المرجو من هذا الدعم هو التأثير النفسي والمعنوي على طرفي الصراع. فهي من جهة تسعى إلى رفع معنويات الجيش والمواطنين الموظفة لخدمتهم، ومن جهة ثانية تتجه نحو البلبلة وإحباط معنويات الجيش العدو في الطرف المقابل لسلب أفراده إرادة القتال.

إن ترابط المعركة الإعلامية مع المعارك الحربية ليس من مفرزات هذا العصر أو العصر الذي يليه، بل هو إنتاج فكري بشري، عرف منذ أن عرفت الحروب، وقد أملته الرغبة في إضعاف معنويات الخصم والتأثير النفسي عليه، وإلزامه على قبول الهزيمة و الإقرار بها عبر التاريخ وعلى مر العصور. وقد اختلفت الوسائل والطرق المتبعة لتحقيق هذا الغرض من عصر لآخر، إلا أن الهدف ظل كما هو، وهو النيل من إرادة الخصم.

كانت الجيوش القديمة قبل تحركها من إلى المعركة ترسل أمامها جزءا من الجيش، يختفي بزي التجار والأطباء وأصحاب الحرف، مهمته نشر الإشاعات في المدن والمناطق المزمع مهاجمتها، من خلال إظهار ضخامة وجبروت وضراوة الجيش الزاحف إليها، وتشجيع المواطنين على عدم المقاومة لعدم جدواها أمام الجيوش الجرارة. وفي الحرب العالمية الأولى كان الإعلام أيضا أحد أدوات الحرب، فقد كانت الصحف و النشرات المطبوعة هي المتاحة على نطاق واسع، حيث وظفت من جميع الأطراف المتحاربة على نحو جيد لحساب الدعاية والحرب النفسية. أما الحرب العالمية الثانية فقد كان للإذاعة دور كبير في رفع الروح القتالية للقوات المقاتلة للطرف،وهدم هذه الروح لدى الطرف الآخر وكان الإقبال على الاستماع لمحطات الراديو أكبر من الإقبال على قراءة الصحف لان الإذاعات تنقل الخبر بطريقة أسرع ويصل للمتلقي بطريقة أسهل ويغطي معظم القارات.

أما اليوم، وفي ظل التقدم التكنولوجي المذهل لوسائل الإعلام، فقد انتزع الإعلام دورا محوريا، يلعبه قبل وأثناء العمليات العسكرية، سواء بمحاولة كسب التأييد أو الترويج لآراء ومواقف معينة قبل الحرب، أو بنقل الحدث المطلوب نقله مباشرة من الميدان خلال العمليات الحربية. ورغم ذلك ومع هذا التطور الإعلامي منقطع النظير الذي نشهده اليوم فإن فرص التضليل الإعلامي والمبالغة والكذب وإخفاء الحقائق ظل متاحا للأطراف التي ترغب في تطبيقه لترسيخ قناعات معينة أو لخلق ظروف خاصة، تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مجريات القتال وهذا بدوره دفع بعض الإعلاميين للقول: "إن الحقيقة في عصرنا هي أولى ضحايا الحرب".

ومع اتساع بؤر الحروب وتزايد مناطق الصراح المسلح منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، تبنى المتحاربون نظرية ذكية مفادها: "إن الجيش والإعلام يحاربان معا على نفس الخط والجبهة"، لذلك تم تسخير وسائل الإعلام بكل الطرق الممكن لخدمة أهداف الحرب حتى إن أية وسيلة إعلام كانت تخالف التوجه العام ينظر إليها وتقيم على أنها غير وطنية.ولم تكن وسائل الإعلام تغامر لتوصف بهذه الصفة المشينة، فالأمريكان، الذين يملكون أكبر الجيوش المحاربة لا يكتفون عادة بالإستراتجية العسكرية وحسب، وإنما يركزون على الحرب النفسية والدعاية والإعلام من أجل التلاعب والسيطرة على العقول والأفكار والاتجاهات، وصولا لتحقيق الغايات المرجوة.

فالإعلام بوسائله المتعددة وأدواته المختلفة يوجه الرأي العام ويؤثر فيه، كما يسهم وبشكل فعال في توعية الجماهير وتضليلها، وهو الذي يسهم في خلق الوعي الجماهيري لأفكار المساواة والعدالة الاجتماعية وتحقيق أهداف الأمة.كما في تعميق وتجذير القيم الاجتماعية والثقافية والحضارية والحفاظ على التراث الفكري الوطني، ويلعب دورا كبيرا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبناء الجيل الواعي والملتزم بقضايا أمته.


النقيب سيدي محمد ولد حديد

("مجلة أحبار الجيش" العدد 20)

جمعة, 03/08/2012 - 21:43

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك