شهــــــداؤنا عظمــــــاؤنا

في معمعان الشهادة.. يجب دفع الثمن كاملا، على الجندي أن يبذل النفس رخيصة على مذبح الحرية والعزة والكرامة، ذلك هو الجود بالنفس وهو أسمى آيات الجود...

يرحل الشهيد في صمت، تاركا الأمانة للأجيال اللاحقة لتتخذ من تضحيته مثلا أعلى ودرسا لا ينسى في الوطنية والفداء... تلك هي فلسفة الجندية ومغزاها...

تعرضت إحدى طائرات التدريب العسكرية، التابعة للمدرسة العسكرية للطيران في أطار يوم الأربعاء 15 مايو 2024 الساعة السابعة والنصف صباحا لخلل فني أثناء رحلة تدريب روتينية، وقد أدى ذلك إلى سقوط الطائرة وتحطمها على الفور، ما أسفر عن استشهاد طاقمها المكون من النقيب الطيار سيد أحمد محمدن أحمد باب والطالب ضابط طيار سيد امين محمد العبد.

وقد أشرف وفد رفيع المستوى على صلاة الجنازة على الشهيدين، حيث ترأس وزير الدفاع الوطني السيد حنن ولد سيدي رفقة قائد الأركان العامة للجيوش، الفريق مختار بله شعبان، ظهر يوم الخميس مراسم تشييع جثماني الشهيدين النقيب الطيار سيد أحمد ولد محمدن، والطالب ضابط طيار سيد أمين ولد محمد العبد. وقد أقيمت صلاة الجنازة على الشهيدين بجامع ابن عباس.

وحضر إلى جانب وزير الدفاع وقائد الأركان وزير الاسكان والعمران وقائد الأركان العامة للجيوش المساعد وقائد أركان الحرس وقائد أركان الطيران وقادة الفرق والمديريات بالأركان العامة للجيوش، وعدد كبير من الضباط وضباط الصف والجنود، بالإضافة إلى أهالي الشهداء وجمع غفير من المواطنين.

وفي اليوم الموالي، قدم وفد من الأركان العامة للجيوش واجب العزاء في شهيدي الجيش الوطني، باسم قائد الأركان العامة للجيوش الفريق المختار بله شعبان، حيث أدى وفد عسكري بقيادة اللواء محمد الشيخ بيده قائد أركان الجيش الجوي، زيارة تعزية ومواساة لأسرتي الشهيدين.

وقد مثل اللواء قائد الجيش الجوي، قائد الأركان العامة للجيوش، الذي كان من المقرر أن يقود وفد التعزية والمواساة، قبل أن تستجد مشاغل مرتبطة بأولويات العمل.

وقد قدم اللواء قائد الجيش الجوي، تعازي قائد الأركان العامة للجيوش لأفراد أسرة الفقيدين، خلال زيارته لكل أسرة على حدة، راجيا لهما الرحمة والغفران، ولذويهما الصبر والسلوان.

وفي نهاية واجب العزاء، قدم اللواء، باسم قائد الأركان العامة للجيوش، مساعدة مادية للأسرتين كل على حدة.

وكان برفقة اللواء قائد الجيش الجوي العقيد محمد عبد الله محمد مولود مدير الشؤون الاجتماعية، والعقيد أعلي ولد امحمد مستشار قائد الأركان العامة للجيوش وعدد من ضباط سلاح الطيران.

 

 

 

بعد أن هدأت النفس المطمئنة الراضية بقدر الله، وقبل أن تتجاوز ألم الفقد، سطرت النجاح محمذن فال، الأم والمربية التي كنا شهودا على قوة إيمانها واحتسابها، كلمات مفعمة بمعاني الوطنية، ربما لا يفهمها إلا من عاش التجربة، وذاق طعم مرارة الوداع الأخير، لكنها ستظل نبراسا يضيئ طريقنا كجنود ويزودنا بقوة الاستمرار على درب التضحية والفداء…

كتبت النجاح محمذن فال، أم الشهيد النقيب الطيار سيداحمد محمدن أحمد بابه عن معنى الشهادة، فقالت:

 

نحن أمة التضحية والشهادة

 

نعى كتابنا المقدس رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو حي، فقال: {‌إِنَّكَ ‌مَيِّت وَإِنَّهُم ‌مَّيِّتُونَ } هذا حكم عام، فالموت مصيبة كما حددها القرآن {‌فَأَصَٰبَتكُم مُّصِيبَةُ ٱلمَوتِ}.

ويُؤجر الصابرون على فقد الأحبة عظيم الأجر {ٱلَّذِينَ ‌إِذَآ ‌أَصَٰبَتهُم مُّصِيبَة قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ  أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيهِم صَلَوَٰت مِّن رَّبِّهِم وَرَحمَة وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلمُهتَدُونَ } ..ومع كل هذا الثواب، فإن مصيبة الموت ليست هي الشهادة..

الشهادة مقام عظيم، نحتاج كثيرا لاستجلاء معانيه السامية، خاصة شهداء ساحة الشرف..الشهيد لا يتعرض لسؤال الملكين.. الشهيد لا يمر بالبرزخ.. الشهيد تطير به طيور قادمة من الجنة إلى سدرة المنتهى، ويستقر في الجنة {عِندَ سِدرَةِ ٱلمُنتَهَىٰ عِندَهَا ‌جَنَّةُ ‌ٱلمَأوَىٰٓ}.

وقد ورد في تفسير الطبري أنها هي يمين العرش، وهي منزل الشهداء في الجنة، فما بالك بشهيد مثل ابني، النقيب الطيار المقاتل سيد أحمد محمدن أحمد باب غلام-الاسياد، الذي ارتقى شهيدا يوم الخامس عشر من مايو 2024، في مهمة قتالية كشفت الفيديوهات كيف نفذها بمهارة وروح فدائية، عكست معدنه النبيل واستعداده للتضحية في سبيل من أقسم يوما على أن يحميهم، حيث جنب ساكنة مدينة أطار كارثة محققة، كانت ستخلف ضحايا كثر لو سقطت الطائرة على الأحياء السكنية.. وحين انتشرت ألسنة اللهب حول الطائرة المنكوبة، كان من حق ابني الاسياد أن يستخدم مظلته وينجو بحياته، لكنه فضل فداء السكان وظل يقود الطائرة بثبات، إلى أن تدحرجت نحو المطار والنار تشتعل، حتى تمكن في بطولة أسطورية من تخطى كل الأحياء السكنية..

ملحمة بطولية أسطورية، سجلها ابني البطل الشجاع سيد أحمد محمدن أحمد باب غلام، الذي اختار الفداء والشهادة على أن ينجو بنفسه، ويترك السكان يواجهون كارثة ..

مفهوم الفداء هو درس عظيم وقيمة سامية، علينا أن نزرعها في أبنائنا، أسوة بالقرآن الكريم {وَمَن ‌أَحيَاهَا ‌فَكَأَنَّمَآ أَحيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعاً} صدق الله العظيم…

هذا هو الجزء الأول من الملحمة البطولية، أما الجزء الثاني فهو الذي انشغل فيه بإنقاذ الطيار المتدرب الذي كان يدربه سيد آمين، الذي ارتقى شهيدا بعد كل محاولات إنقاذه..

لقد شوهد ابني النقيب سيد أحمد وهو يدفع الطيار المتدرب سيد آمين إلى القفز بالمظلة، وقد نجح في ذلك لكنه ارتقى شهيدا بعد القفز.

ليست الشهادة موتا، بل إن الله نفى الموت عن الشهداء، {وَلَا ‌تَحسَبَنَّ ‌ٱلَّذِينَ ‌قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَموَٰتًا بَل أَحيَآءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضلِه وَيَستَبشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَم يَلحَقُواْ بِهِم مِّن خَلفِهِم أَلَّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ يَستَبشِرُونَ بِنِعمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجرَ ٱلمُؤمِنِينَ }.

مقام الشهادة هذا يجب أن يظل عظيما في نفوسنا، وأن يبقى الفداء للوطن والتضحية من أجل المواطنين مطلبا نبيلا عندنا..

لقد سُطرت هذه الملحمة الاسطورية ذات صباح، بأحرف من ذهب على جدران الذاكرة العسكرية الوطنية، حينما قدّم ابني سيد أحمد محمدن غلام روحه فداء لساكنة أطار، ولا شك أنه استحضر الآية الكريمة {وَمَن ‌أَحيَاهَا ‌فَكَأَنَّمَآ أَحيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعاً}.

إن مفاهيم الفداء والشهادة والتضحية، تنتمي إلى مدرسة ومنظومة قيمية لا يدركها إلا من انتسب لمصنع الرجال، الذي هو الجيش الوطني الموريتاني ..

ولا تتحقق الشهادة في سبيل الله إلا من خلال المهام القتالية للجيوش الوطنية.

أما من يحصدون أرواح المدنيين، ويستهدفون جيوش دولهم، فلا نصيب لهم ولا حظ من الشهادة…

تقبل الله ابني وسائر شهداء الجيش الوطني في عليين، وتغمدهم برحمته الواسعة…

عاش الجيش الوطني، درع البلاد وحامي حماها، وعاشت موريتانيا قوية بتضحيات أبنائها البررة…

 

اثنين, 12/08/2024 - 11:43

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك