الجيش الوطني يهب لنجدة مزارعي كيهيدي

تتعرض المزارع النموذجية بكيهيدي كل سنة لتهديدات حقيقية، إثر ارتفاع مستوى مياه كل من نهر السنغال وروافد كركول، مما يتطلب تدخل الجهات المعنية لتدارك الوضع وتلافي هذه المزارع من التلف. وتمثل المزرعتان النموذجيتان الأولى والثانية استثمارا هاما للدولة الموريتانية والنشاط الزراعي الأساسي في المنطقة، والمصدر الرئيسي لعيش شريحة هامة من مواطني الولاية.

ورغم الجهود التي تبذل سنويا من طرف الهيئات التابعة لوزارة الزراعة والبيطرة، ومن طرف السلطات الإدارية والبلدية وحتى من طرف المزارعين، فإن دور القوات المسلحة ظل دورا طلائعيا، من حيث الفعالية وسرعة التدخل والالتزام. وقد أثبت الجيش الوطني بهذا المثال جاهزيته واستعداده لحماية المواطن وممتلكاته مهما كانت طبيعة التهديدات ومصادرها.

ففي خريف 2007 جاء موسم الأمطار متأخرا بعدما بلعت المزارع المروية في هضبة كيهيدي مستوى من النضج، بعث في نفوس المزارعين أملا في إمكانية التخفيف من حدة نقص المراعي وانعدام الزراعة الفصلية التي تعتمد على تراجع مياه الفيضانات. ثم تتابعت الأمطار بفضل الله وارتفع مستوى الماء في النهر ورافده الأساسي كركل إلى حد تناقصت معه القدرة الاستيعابية للمجريين، مما شكل خطرا ظل يهدد مدينة كيهيدي ومزارعها.

وظلت الكتيبة العسكرية المتمركزة في كيهيدي والتابعة للمنطقة العسكرية السابعة في حالة استنفار شبه دائم طيلة فصل الخريف، لمواجهة مواقف كادت تخرج عن السيطرة لولا سرعة هذه التدخلات وفعاليتها. وتمثلت تلك التدخلات في القيام بالعديد من الإصلاحات في الحواجز الرملية الواقية للمدينة وللمزارع، وسد الثغرات وتقوية النقاط الضعيفة والمشاركة في جميع عمليات الترميم. كما قامت بترحيل بعض السكان الذين غمرت المياه مساكنهم ليعاد تسكينهم مؤقتا في المدارس.

وقد برهن أطر وجنود الكتيبة من خلال اندفاعهم وحيويتهم وتفانيهم في هذه الأعمال التي تتسم بالمشقة والصعوبة، على أهليتهم للاحترام والتقدير اللذين تكنهما لهم السلطات المحلية والمواطنون. فكان أفراد القوات المسلحة يشكلون دائما النواة الأساسية التي يلتف حولها الآخرون للمشاركة في العمليات، وكانت بشهادة المهندسين الزراعيين المشرفين على المزارع، الجهة شبه الوحيدة التي يعول عليها في تلبية نداءات التدخل في جميع الحالات وتحت كل الظروف.

وفي صبيحة يوم 27 من سبتمبر 2007 تدفقت كميات هائلة من المياه من حيث لا ينتظرها أحد، متجنبة الحاجز الرملي للمزرعة النموذجية رقم2، التي كانت تحاصرها المياه من بداية موسم الأمطار، وخلال ساعات غمرت المياه هذه المزرعة بالكامل لتشكل تهديدا حقيقيا للمدينة وللمزرعة النموذجية الأولى التي لا يفصلها عن الثانية إلا حاجز رملي واحد، يعود إنشاؤه إلى أزيد من عشرين سنة. وبعد معاينة الموقف استقر الرأي على القيام بتدعيم بعض النقاط المهددة وسد الثغرات في حاجز المزرعة النموذجية الأولى. وقد تولت شركة محلية إنجاز هذا العمل، في هذه الأثناء ظلت وحدات الكتيبة مرابطة على مقربة من النقاط المهددة حتى المساء، وبعد أن تفرق الجميع وخلد الكل للراحة في نهاية يوم رمضاني مشمس، عادت وحدات الكتيبة إلى ثكنتها وبكل مهنية وحزم قررت أن تبقى في حالة تأهب تحسبا لما قد يحدث خلال الليل. وفي حدود الساعة الثالثة صباحا لاحظ المهندسون خلال دورة تفقدية قاموا بها أن تسربات بدأت تظهر في قاعدة المانع الرملي الذي يحمى المزرعة النموذجية الأولى، وأنه إذا لم تتم السيطرة عليها فإن هذه المزرعة ستغمر هي الأخرى قبل الصبيحة التالية. وعندها سوف يرتفع الضغط على الحاجز الأخير الذي يحمي المدينة. أخبر الوالي مباشرة بالوضع إلا أنه لم يجد بدا من اللجوء إلى الكتيبة رغم تواجد جميع الجهات الحكومية المعنية بالأمر وعلى أعلى المستويات، وتم التدخل فورا نتيجة جاهزية الوحدات ليبدأ صراع مرير مع المياه تواصل حتى الحادية عشرة من صبيحة اليوم التالي، لتتم السيطرة على الوضع بصفة نهائية وبعد حضور آليات وشاحنات محملة بالرمال. وتمثل دور الوحدات التابعة للكتيبة في سد الثغرات، باستخدام أكياس الرمل حتى لا تتسع وتخرج السيطرة قبل وصول الآليات. وتمت العملية في ظروف صعبة للغاية وتحت جنح ظلام دامس وغياب كامل للوسائل الآلية، مما أجبر الأفراد على استخدام القوة العضلية، بما يترتب عليها من مشقة وأخطار، ولم تكن موجات الباعوض والزواحف بمختلف أنواعها التي أخرجتها المياه من جحورها لتسهل عمل الوحدات. وقد لاحظ الجميع بعد أن وصلت البعثات الرسمية إلى عين المكان في اليوم التالي أهمية الدور الذي لعبته الكتيبة خلال الليل لإنقاذ الموقف، حيث عبر الجميع بمن فيهم وزير الزراعة والبيطرة الذي كان موجودا على رأس هذه الوفود عن امتنانهم للجهود الجبارة التي بذلها الجيش لإنقاذ ما تبقى من مزارع هؤلاء المواطنين من تلف.

وتجدر الإشارة إلي أن عمليات التدخل هذه لم تكن وليدة الصدفة وإنما كانت تنفيذا لإحدى المهام الدائمة للقوات المسلحة والمتمثلة في حماية المواطن وممتلكاته ضد الأخطار، أيا كان مصدرها وأشكالها بما في ذلك التصدي للكوارث الطبيعة ومكافحتها بكل ما أوتيت من وسائل. وقد تمت هذه العمليات طبقا لمخطط تنظيم الإغاثة، الذي تم وضعه مسبقا بأوامر من قيادة الأركان الوطنية للتصدي لمثل هذه الحالات وتفعيله مباشرة إذا اقتضى الأمر ذلك.

لقد أعطى الجيش الوطني الموريتاني من خلال تدخل هذه الكتيبة التابعة للمنطقة العسكرية السابعة مثالا حيا ونموذجا بديعا لما يمكن أن ينتظره المواطن من جيشه في هذه الظروف الاستثنائية، رغم الشعور بأداء الواجب ومتعة انجاز العمل المتقن والإحساس بالفخر والاعتزاز، فان عناصر هذه الوحدة ومن ورائهم كافة أفراد القوات المسلحة الوطنية واثقون من أن ما قامت به الكتيبة لا يخرج عن إطار المألوف، وإنما يدخل في صميم المهام التقليدية التي كلفت بها المؤسسة العسكرية.

إن مشقة هذا النوع من المهام لا تمثل شيئا بالمقارنة مع التضحيات التي يلتزم بها كل جندي، أمانة في عنقه يؤديها لوطنه في أول فرصة يستجيب فيها لنداء الواجب باذلا من أجل ذلك إذا دعت الضرورة أعلى ما يملك.

أربعاء, 15/08/2012 - 14:59

كان الجيش الوطني شاهدا على لحظة ميلاد الدولة وراعيا لمرحلة التأسيس وحاضرا في عملية البناء وفاعلا في صنع المستقبل...
كان منذ البداية عينا ساهرة على أمن المواطنين وعزة الوطن ولسوف يظل على هذا النهج.

تابعنا على فيسبوك